القاهرة | تصوّرات عدّة طرحها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقاءاته مع عدد من نظرائه العرب، والتي انتهت إلى رفْض الأخيرين تلك المقترحات كافة، وسط اتّجاه إلى التصعيد بدأت ملامحه تتجلّى مساء أمس، مع استمرار إغلاق معبر رفح، والتوترات المحيطة بالتنسيق المصري - الإسرائيلي. ويَظهر أن اللقاءات التي جمعت الضيف الأميركي إلى وزراء خارجية كلّ من الأردن، مصر، السعودية، الإمارات، قطر وممثّل السلطة الفلسطينية في عمّان، والتي كان يُعوَّل عليها في الوصول إلى اتفاق على هدنة إنسانية يبدأ سريانها في خلال الساعات المقبلة، لم تَخرج بأيّ نتيجة، في ظلّ تعثّر التفاهم على أُطر عامّة للمضيّ قُدُماً في إرساء الهدنة، وعدم التحمّس الأميركي لها من دون جبي أثمان سياسية.وفيما لا تزال إسرائيل تمارس ضغوطاً لتعطيل الاتفاق، الذي تقول إنه سيفيد حركة «حماس» في إعادة تجميع قدراتها العسكرية، يبدو أن واشنطن ترفض هي الأخرى أيضاً وقفاً فوريّاً لإطلاق النار. وفي هذا الإطار، أفادت مصادر مصرية، تحدّثت إلى «الأخبار»، بأن وزيرَي الخارجية المصري سامح شكري، والأردني أيمن الصفدي، طالبا بسرعة العمل على تحقيق هذا المطلب، وهو ما أيّدته باقي الدول العربية في الاجتماع، في حين تحدّث بلينكن بشكل واضح عن تصوّرات أميركية لإدارة قطاع غزة بعيداً من حركة «حماس»، في ما اعتبرته القاهرة سابقاً لأوانه، وذلك لعدّة اعتبارات، أهمّها أن الوضع العسكري على الأرض لم يُحسم بعد، فضلاً عن أن «الهدف» الإسرائيلي المتمثّل في القضاء على «حماس» ليس واقعيّاً.
وبدا واضحاً، في ضوء الاتصالات التي أعقبت الاجتماعات بين بلينكن وشكري ونظرائهما في المنطقة، ثبات مصر على موقفها لناحية ضرورة الذهاب إلى هدنة إنسانية في الحدّ الأدنى، وفي أقرب فرصة ممكنة، إلى جانب إدخال المساعدات. لكنّ المسؤولين الإسرائيليين ظلّوا مصرّين على ضرورة فصْل شمال قطاع غزة عن جنوبه، على أن تبقى المنطقة القريبة من الحدود معزولة وخالية من السكان، في مقترح رفضته مصر، واعتبرته بمثابة جريمة حرب لا يجب السماح بتحقيقها على أرض الواقع. وعلى هذه الخلفية، حذّرت القاهرة، واشنطن، من تبعات خطوة الفصل الكارثية، في حال تكديس عدد كبير من السكان ضمن مساحة ضيقة جداً، بحجّة «الدفاع عن أمن إسرائيل»، على أن تجري مناقشة هذا الأمر في ما بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الأوروبيين إلى جانب الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية المختلفة، في مسعى لفرض مزيد من الضغوط على واشنطن وتل أبيب.
ترى القاهرة أن الفرصة ملائمة الآن للضغط على الإدارة الأميركية من أجل ممارسة ضغوط على إسرائيل، للبدء في مسار مفاوضات واضح في شأن «حلّ الدولتين»


وعلى رغم بروز بعض الخلافات بين المسؤولين المصريين وبعض مسؤولي «حماس»، إلّا أن ذلك لم يمنع مواصلة التنسيق بينهما في ما يتّصل بإيقاف العمل بالاتفاق الذي يتضمّن خروج الأجانب من المعبر، في مقابل دخول المساعدات وإخراج المصابين المحتاجين إلى العلاج في الخارج. ولم يشهد معبر رفح، على مدار يومَي السبت والأحد، خروج أيّ أجنبي أو جريح، بعدما استهدفت إسرائيل موكب سيارات إسعاف كان في طريقه من مستشفى الشفاء إلى المعبر، في جريمة استنكرتها القاهرة بشدّة في المباحثات السرّية مع واشنطن، مطالبةً الأخيرة بإجبار تل أبيب على عدم استهداف سيارات الإسعاف، خصوصاً في ظلّ وجود تنسيق مسبق مع الاحتلال في شأن السيارات وطرق سيرها، والأسماء والأعداد التي على متنها. وأبلغ المسؤولون المصريون نظراءهم الأميركيين بأنهم لن يكونوا قادرين في المقابل على ضمان سلامة جميع الرهائن لدى «حماس»، إذا استمرّ استهداف الجرحى، أو حتى إخراج مَن تبقّى من أجانب في القطاع، علماً أنه كان يُتوقّع الانتهاء من خروج جميع الأجانب بحلول بداية الأسبوع المقبل على أقصى تقدير.
كذلك، تنسّق القاهرة مع باريس للضغط على إسرائيل، من أجل وقف عمليات الاستهداف العشوائي للمدنيين، خاصّة بعد استهداف المعهد الفرنسي، وهو ما وجد فيه المصريون فرصة لمضاعفة الضغوط على الفرنسيين، في وقتٍ ارتفعت فيه وتيرة المناقشات بين القاهرة وأنقرة، بمشاركة عمّان، لتنسيق مواقف مشتركة، وتشكيل لوبي ضاغط، إقليميّاً، ليس فقط على إسرائيل، ولكن أيضاً على الولايات المتحدة. وتشمل عمليات التنسيق المصرية، السلطة الفلسطينية، التي جرى إيصاؤها بعدم قبول أيّ مقترح في شأن تولّي مسؤولية قطاع غزة بشكل منفرد، من دون التوافق على وضع فصائل المقاومة، خاصة أن الموقف العربي يكاد يكون موحّداً في الوقت الحالي في شأن الوضع في القطاع، في ظلّ الحديث عن ضرورة تجاوز الخلافات، والبدء بمفاوضات موحّدة لدعم قيام الدولة الفلسطينية. ووفق مصادر «الأخبار»، فإن القاهرة ترى أن الفرصة ملائمة الآن للضغط على الإدارة الأميركية من أجل ممارسة ضغوط على إسرائيل، للبدء في مسار مفاوضات واضح في شأن «حلّ الدولتين»، خاصّة أن هناك رغبة أميركية في إنهاء الصراع في أقرب وقت ممكن، خشية أن يؤثّر استمراره لوقت أطول على حظوظ الرئيس جو بايدن الرئاسية، فضلاً عن التقارير التي وردت من السفارة المصرية في واشنطن حول وجود انقسامات لجهة تقييم الوضع داخل الدائرة المقرّبة من الرئيس الأميركي، وطرْح سيناريوات عدّة، من بينها تحقيق «مواءمة سياسية» مع حركة «حماس».