رام الله | لم يكن الكمين الذي استهدف قوات الاحتلال أول من أمس في محيط مخيم جنين، الأول الذي تقع فيه هذه القوات هناك. فقد سبق أن فجّر المقاومون في المكان نفسه، في حزيران 2023، آلية «النمر» المصفّحة، التي تتفاخر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأنها الأكثر أمناً، بعبوة قُدّر وزنها آنذاك بـ49 كغم، ما أسفر عن إصابة عدد من جنود الاحتلال. وشنّ جيش العدو، على إثر ذلك، العملية العسكرية الأكبر في المدينة منذ عام 2002، والتي استمرت لأكثر من 50 ساعة، وقُتل فيها جندي إسرائيلي أيضاً. وتعكس هذه العمليات، تطور قدرة المقاومة على صناعة العبوات الناسفة وتحسين قوتها التدميرية، بحيث باتت قادرة على إلحاق الخسائر البشرية بجنود الاحتلال، وهم في داخل آلياتهم المصفّحة، الأمر الذي تعتبره إسرائيل مؤشراً خطيراً. كذلك، يدلّل كمين الأحد على أن المقاومة، رغم قلة إمكاناتها المادية، وتعرّضها للعديد من الضربات التي أدّت إلى استشهاد قادتها وعناصرها، لا يزال بإمكانها تطوير قوتها وفعلها.وجاء اقتحام جنين، الأحد، بعد أيام من تحريض كبير على المدينة عبر الصفحات العبرية على وسائل التواصل الاجتماعي، أعقب تداول فيديو حديث للوحدة الخاصة في «الكتيبة»، وهي تجري استعراضاً وتدريبات في إحدى مناطق المدينة. ومثّل هذا المقطع المصوّر «الطعم» الذي أكلته إسرائيل، خاصة بعد أن انهالت التعليقات على ما ظهر في المقطع من تجهيزات عسكرية وعتاد وذخيرة، إذ تساءل مستوطنون عن مصدر هذه التجهيزات، بينما اعتبر آخرون أن تلك التدريبات تجري من أجل تكرار عملية «طوفان الأقصى»، واقتحام المستوطنات شمال الضفة الغربية. وفي تعليقها على ذلك، قالت «كتيبة جنين» في بيانها: «لأننا نراهن على غبائكم دائماً، فقد استطعنا استدراجكم بعد أن نشرنا فيديو المناورة الأخير. وبعون الله وفضله قد توفّقنا في إيقاعكم في كمين ناري ونؤكد لكم أن ما ينتظركم لأدهى وأمرّ».
وليس تحريض الإعلام العبري للجيش على ارتكاب المزيد من المجازر في الضفة، حديثاً، بل هو متواصل منذ عملية «طوفان الأقصى»، وترافقه تحذيرات من مغبة تكرار العملية في مستوطنات الضفة. وفي السياق، كتبت صحيفة «إسرائيل هيوم» العبرية المقرّبة من رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، تقريراً بعنوان «سيناريو الرعب - غلاف قلقيلية». وذكرت الصحيفة أنه «منذ السابع من أكتوبر، المستوطنون في مستوطنات كوخاف يائير وتسور يجال الواقعة على الجهة الشرقية من منطقة الشارون، يتخوّفون من سيناريو مرعب يتمثل في اقتحام "مخربين" من قلقيلية والقرى الفلسطينية لمستوطناتهم عبر أنفاق»، مشيرة إلى أن مستوطنين في تلك المستوطنات «يدّعون سماع أصوات حفر ويشعرون باهتزاز الأرض نتيجة حفريات»، فيما ترفض مجالس المستوطنات ادّعاءات الجيش بعدم وجود أنفاق في المنطقة، وتريد الاستعانة بشركة من القطاع الخاص لإجراء فحص جيولوجي. ويبدو أن هذا التحريض سيمثل ذريعة لتوسيع العدوان وإفلات عقال المستوطنين، بذريعة عدم تكرار ما حصل في السابع من أكتوبر.
تعكس العبوات التي جرى تفجيرها في جنين، تطور المقاومة في صناعة العبوات الناسفة وقوتها التدميرية


وبالعودة إلى كمين جنين، لم يكشف جيش الاحتلال كلّ تفاصيله والخسائر الناجمة عنه، على رغم اعترافه بمقتل مجنّدة من الوحدات الخاصة في شرطة «حرس الحدود»، وإصابة آخرين، أحدهما ضابط، بجروح وُصف بعضها بالخطيرة. وكشفت شرطة العدو أن المجنّدة جرماي شاي (19 عاماً، من مستوطنة «كرمئيل» في الجليل الأعلى شمال فلسطين المحتلة) كانت تستقلّ آلية عسكرية جرى استهدافها بعبوة ناسفة، فيما أفاد مصدر أمني إسرائيلي بأن «ذلك الكمين كان مزدوجاً»، موضحاً أن «القوة الإسرائيلية تعرّضت لتفجير عبوة ناسفة، وعندما استدارت للانسحاب من المكان انفجرت فيها عبوة أخرى».
وكان جيش العدو اقتحم مدينة جنين فجر الأحد، لتندلع اشتباكات مسلّحة عنيفة مع المقاومين في أكثر من محور، بينما توجهت آليات عسكرية إسرائيلية إلى حيّ الجابريات المطلّ على المخيم، حيث وقعت في كمين العبوات الناسفة التي فُجّرت فيها، ما تسبّب بإعطاب عدد منها. ونشرت «كتيبة جنين» مقطعاً مصوّراً أظهر لحظة التفجير، وتطاير الجنود من داخل إحدى الآليات، ومن ثم وجود جثتين لجنديين على الأقل على الأرض. وقالت «الكتيبة»، في بلاغ عسكري: «تمكّن مجاهدونا من إيقاع آليات الاحتلال المتوغلة في مخيم جنين في كمين ناري، بحيث تم تفجير عدة عبوات متتالية وتبعها استهداف مباشر وكثيف بصليات نارية، ما أدى إلى إيقاع جنود الاحتلال بين قتيل وجريح». كما أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، أنها أوقعت «قوة صهيونية راجلة اقتحمت مدينة جنين في كمين»، مؤكدةً «إصابة عدد من جنود الاحتلال بجروح خطيرة».
وكان لافتاً انسحاب قوات الاحتلال سريعاً من مدينة جنين ومخيمها بعد وقوعها في الكمين، ومن ثم لجوؤها إلى الانتقام بشنّ غارة جوية من طائرة مُسيّرة على تجمّع للمواطنين في منطقة «مثلث الشهداء» - وهي تجمّع سكاني صغير يبعد قرابة 8 كلم عن مدينة جنين -، ما أسفر عن استشهاد 7 شبان مدنيين، منهم 4 أشقاء كانوا يجلسون في إحدى الاستراحات على الطريق الرئيسيّ (بعيداً عن جنين ومنطقة الاشتباكات)، تمّ نقلهم أشلاء إلى المستشفى، وهو ما يدحض رواية العدو عن أنه اغتال خلية مسلحة. واعتبرت «كتيبة جنين» أن جيش الاحتلال «صبّ نيران حقده وجنونه على أهلنا وأبناء شعبنا المدنيين واستهدف كوكبة عظيمة من عائلة العصاعصة المناضلة ليرتقي منهم 7 شهداء على طريق القدس والتحرير». والواقع أن الفلسطينيين باتوا يدركون أن تلك سياسة تلجأ إليها قوات الاحتلال بعد تكبّدها خسائر في الجنود، وعدم قدرتها على مواجهة المقاومة، حيث تعمد إلى استهداف المدنيين بالغارات الجوية لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، وهو ما كان يجري في قطاع غزة.