ينخر الإرهاق مفاصل الجسد جميعها، كما أنه يهتك اللغة ويطمس الكلام. يتغلغل الإرهاق في الجسد فيفتّته، يطحنه، يرديه قتيلاً. المُرهَق يتقلقل؛ يشعر بوخز أليم كلما حاول النطق أو تحسّس حَنجرته. الإرهاق ساعي بريد للموت. يعقد الإرهاق اللسان ويترك المُرهَق أمام خيارَين: إما الصراخ وإما الخرس، وفي الحالتين ينوجد التثاؤب، كرغبة عارمة بالانسحاب من المشهد؛ إقفال الفم وإغماض العينين. لا شيء غير الإرهاق يقدمه لنا عالم الرأسمالية المتأخرة اليوم.
تصميم فرانسوا الدويهي

الإرهاق هو السلطة الشبحية، هو موجود في كل مكان وفي أي موضوع، ويتبدّى في: الأعمال المنزلية، العمل المكثّف من المنزل، وصولاً إلى الأمراض غير المرئية التي تفتك بالجسد، وصولاً إلى الرغبة المفقودة بالنوم؛ النائم الذي تحوّل بطرفة عين، إلى حالمٍ، النائم متّهم بكونه حالماً، النوم كمرادف للحلم، والحلم في الرأسمالية ممنوع. هكذا بات يعدّ النوم ممارسة يمكن الاستغناء عنها، لأن من يحظى به كمن يحوز امتيازاً يُحسد عليه. مهما أخفى المرهق إرهاقه، تبقى خرائط التجاعيد، والسواد تحت العينين ورجفة اليد، وقلّة الكلام، تخبر ما لا يستطيع المرهق، بسبب إرهاقه، على قوله. على هذه المقدمة أن ترهق القارئ لكي تتماهى مع عدد «إرهاق شديد» هذا، لكن فضلّ كاتبها أن ينصاع للإرهاق، وأن يجعلها تبدو أشبه بالتأتأة وأن تكون بمثابة تقديمٍ سريع نتيجة الإعياء، وعليهِ، فقد تخلّى عن الكتابة واستلقى على الكنبة. إن العدد كفيل بأن يجعل القارئ، بدوره، يتمدّد على الكنبة بعد توّغّله بمواضيع الـ«الإرهاق الشديد»، لأن الإرهاق الشديد، سيزوره من بعدها، وسيتغلغل فيه.