معمر عطوي
لم يكن القرار الياباني بتحويل وكالة الدفاع الى وزارة للدفاع الثلاثاء الماضي، نابعاً من رغبة في التحرر من عقدة الهزيمة، التي منيت بها طوكيو في الحرب العالمية الثانية وأداء دور أكبر في الشؤون الامنية العالمية فقط، بل كانت هناك أسباب أخرى أهمها تزايد الخطرين الصيني والكوري الشمالي على الجزيرة “المسالمة”.
ومن المفيد الإشارة في هذا المضمار إلى أن وكالة الدفاع في اليابان قد تأسست عام 1954، وظلت خارج دائرة الضوء على مدى عقود لأن الدستور الياباني والرأي العام يودان تجنّب أي شيء يعيد ذكريات الأجواء العسكرية الخاصة بالحرب، مع لفت الانتباه الى الشروط الاميركية والدولية التي فُرضت على طوكيو بسبب تحالفها مع النظام النازي في المانيا، وما ترتب عليها من حظر جعل اليابان دولة اقتصادية غير عسكريةإلا أن التطورات العسكرية التي طرأت على المنطقة الآسيوية منذ عقود، وسباق التسلح في ظل ظهور دول كانت ضمن المنظومة الاشتراكية، مثل الصين وكوريا الشمالية، دفعت الدولة المسالمة المحتمية بأحضان القوات الأميركية إلى تغيير استراتيجيتها.
وتتخوّف اليابان من الصواريخ البالستية الكورية ومن مخزون الأسلحة الكيماوية والبيولوجية الكورية. وليس أدل على هذا القلق من تصريح وزير الدفاع الياباني، رئيس وكالة الدفاع السابقة، فوميو كيوما، الذي قال إن “إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً وإجراءها تجربة نووية في العام الماضي يعنيان أن الوضع الأمني في الخارج بالقرب من اليابان لا يزال صعباً”. ودفع تصاعد القلق الأمني الياباني منذ منتصف التسعينيّات الساسة اليابانيين، بالتفاهم مع حلفائهم في الولايات المتحدة، الى البحث في تغيير استراتيجياتها واللجوء الى تعزيز الوضع العسكري لديها، وذلك بعدما باتت الصين، العدو التاريخي لليابان، تمثل تهديداً إقليمياً حقيقياً نتيجة قيام بكين بزيادة تمويل الأنشطة العسكرية لديها وترسانة الصواريخ الضخمة.
ويمكن القول إن البداية الفعلية لخروج الجزيرة من “عزلتها العسكرية” كانت أثناء حرب الخليج عام 1991، حين فرضت واشنطن على طوكيو دفع مبالغ كبيرة لتمويل الحرب ضد نظام صدام حسين في العراق.
وفي عام 1995 بدأت اليابان ببحث موضوع ارسال قوات الى الخارج. كما وقعّت في تلك الفترة مع الولايات المتحدة اتفاقاً بشأن توسيع التعاون في مجال نظام الدفاع بالصواريخ الباليستية. وفي عام 2003 أعلنت طوكيو عزمها على تطوير قدراتها الدفاعية الصاروخية بتنفيذ نظام للدفاع الصاروخي يعتمد على التكنولوجيا الاميركية.
ولم يتوقف الامر عند ذلك، ففي عام 2004 انخرطت اليابان في تنفيذ خطط عالمية للدفاع، من خلال إرسال نحو 550 جندياً إلى جنوب العراق، في أخطر مهمة يقوم بها الجيش الياباني في الخارج منذ عام 1945، تماهياً مع طلب البيت الأبيض الذي كان يعمل على حشد أكبر مشاركة عسكرية عالمية ممكنة لتسويغ احتلاله للبلد العربي. لكن هذه المهمة انتهت في تموز من العام الماضي.
ولمعرفة الخصوصية التي باتت تميز مؤسسة الدفاع اليابانية في ظل “وزارة” عما كانت عليه حين كانت “وكالة”، فإن ما ذكره رئيس الوزراء شينزو آبي، خلال تدشين الوزارة، من أن وكالة الدفاع “كانت هيئة تابعة لمكتب رئيس الوزراء ولم يكن بوسعها طرح قضاياها المهمة في اجتماعات مجلس الوزراء أو تقديم طلبات الميزانية من دون موافقة رئيس الوزراء”، لهو دليل على ضعف صلاحياتها التي ستتغير بلا شك مع كونها وزارة، إذ تتمتع بسلطة وضع السياسات وطلب الميزانية كأي وزارة أخرى. كما تهدف الى تقديم مقترحات بشأن استراتيجية الامن القومي، إضافة الى تعزيز أنشطة قوات الدفاع الذاتي في الخارج. ويبدو ان طوكيو لم تقتصر في وضع استراتيجيتها الجديدة على تحويل الوكالة الى وزارة، بل قامت أيضاً بإنشاء وحدة استخبارات جديدة في الجيش، لجمع المعلومات، في أول خطوة من نوعها.
ويبدو ان ما قامت به اليابان على الصعيد الدفاعي والاستخباري قد نقل القلق الذي كان لديها من طموحات الدول المجاورة العسكرية، الى هذه الدول نفسها، التي عانت في السابق عدواناً عسكرياً يابانياً خلال الحرب.
وجسّدت هذا القلق وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا”، حين قالت إن تغيير اسم الوكالة الى وزارة، “يعطي أسباباً كافية للناس كي يقلقوا بشأن ما إذا كانت اليابان ستلتزم النهج السلمي”.
من هنا يبدو المشهد الشرق آسيوي بالغ الحساسية في ظل هواجس وهواجس مضادة تعززها الأحلاف الدولية وتسوّغ استحداثها الصواريخ العابرة للقارات.