حيفا ــ فراس خطيب
لم تخلق هجمات 11 أيلول 2001، نقاشاً سياسياً جديداً في إسرائيل، لكنّها عزّزت نقاشاً كان، على ما يبدو، مؤجلاً منذ أن عجزت تل أبيب وواشنطن، على حد سواء، عن إقناع الرأي العام العالمي بوجهة نظرهما في ما يتعلق بـ«الإرهاب الإسلامي». وفي السؤال عن النتائج اليوم، وبعد مرور خمسة أعوام على تلك الأحداث التي غيّرت وجه العالم، تبدو الأمور أكثر وضوحاً؛ فقد استطاعت إسرائيل، وإلى حد كبير، تحويل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، من علاقة احتلال ومحتل إلى «حرب إسرائيلية ضد الإرهاب وصراع حضارات بين دولة ذات سيادة ضد عصابات إرهابية مسلحة».
هكذا أراد المسؤولون الإسرائيليون أن يطرحوا القضية قبل الأحداث، وهكذا عزّزوا طرحهم هذا عن طريق استغلال ما حصل لمركز التجارة العالمية من أجل وضع الأميركيين والإسرائيليين في «قالب واحد» من حيث «الاستهداف»؛ فقد سارعت إسرائيل إلى «تجيير» هجمات 11 أيلول من أجل تدويل ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
ويقول المحلل السياسي للشؤون الإسرائيلية، أنطوان شلحت، في حديث لـ«الأخبار»، «لقد أدّى هذا إلى انطلاق مسعى إسرائيلي منهجي يضم المقاومة الفلسطينية المشروعة ضد الاحتلال، إلى خانة الأعمال الإرهابية»، معتبراً أن هذا المسعى «حقق نجاحاً»، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية «ضمّت الكفاح الفلسطيني في خانة الإرهاب، وحاولت ضم الأوروبيين إلى هذه الرؤية، إلا أن هذه المساعي لضم الأوروبيين نجحت بشكل جزئي».
ويضيف شلحت «إنّ الأمر الثاني هو أنه بعد هجمات 11 أيلول بأشهر، انطلقت في آذار 2002 مبادرة السلام العربية التي لا تزال إسرائيل ترفضها وتتجاهل حتى مجرد وجودها»، مبيناً أن «إسرائيل استفادت من المناخ الدولي السائد بعد تلك الهجمات ونجحت أيضاً في جعل هذه المبادرة في الهامش. ومع أن أوروبا ضغطت، في المقابل، من أجل إطلاق خريطة الطريق، إلا أن جورج بوش منح أرييل شارون رسالة الضمانات التي فرّغتها من مضمونها».
وثمة من يعتبر «رسالة الضمانات» من أبرز العلامات السياسية التي خلّفتها أحداث 11 أيلول على الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. وهي تضمن للإسرائيليين تأييداً أميركياً واضحاً في «حربها ضد الإرهاب» و«الحل المستقبلي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما تراه أميركا وإسرائيل». ويرى المراقبون أن هذه الرسالة التي منحها جورج بوش لأرييل شارون عام 2004 اشتملت على المواقف «الأسوأ» أميركياً تجاه الصراع، وفيها تأييد للموقف الإسرائيلي بعدم الانسحاب حتى حدود 1967، وعدم عودة اللاجئين وقهر كل مبادرة من شأنها إحباط «فك الارتباط» الإسرائيلي عن غزة. وكان فحوى الرسالة يصب في مصلحتي شارون وبوش في حينها، حيث سعى الرئيس الأميركي إلى نيل تأييد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق لضمان تأييد اللوبي اليهودي له قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي المقابل، عاد شارون إلى إسرائيل يحمل تأييد الأميركيين لخطواته، ما عزّز مكانته كرئيس للوزراء وكرئيس لليكود.
لقد أدخلت الأحداث أوروبا أيضاً داخل السرب. ويقول المؤرخ الفلسطيني د. مصطفى كبها إن «الخطاب الإسرائيلي مع الأوروبيين تحوّل بعد أحداث 11 أيلول من محاولات إقناع بالرأي إلى سياسة قلنا لكم»، مشيراً إلى أن «خطاب الإسرائيليين أصبح أقوى. يتحدثون برموز «نبّهناكم» معتبرين أن ما جرى في الولايات المتحدة جاء نتيجة لما حذّروا منه». وهكذا، يقول كبها، «أصبح الحدث عن الخطر الإسلامي وصراع الحضارات أكثر جرأة والحديث عن أنّ المنظمات الفلسطينية منظمات إرهابية أصبح أجرأ».
ويشير كبها إلى نقطة هامّة تاريخياً وهي «التحول في كتابة التاريخ بعد 11 أيلول»، مبيناً أن «ما جرى أدّى إلى تراجع في آراء بعض المؤرخين الإسرائيليين الذين تراجعوا عن الكتابة النقدية لتاريخ المؤسسة الإسرائيلية»، ومشيراً إلى أن «المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس كان على رأس هؤلاء المؤرخين الذين أعادوا النظر في طرحهم الناقد للتاريخ وتراجعوا عن نقدهم للتاريخ الموثّق للمؤسسة الإسرائيلية، مظهرين تضامناً مع سياسة المؤسسة وممارساتها التاريخية».
الإسرائيليون لا يخوضون تحليلات زائدة في هذا الصدد، ويعتبرون أنّ «أحداث 11 أيلول عزّزت وجود الإرهاب الإسلامي، المتمثل بحماس في المناطق الفلسطينية وحزب الله في الأراضي اللبنانية»، واضعين الولايات المتحدة وإسرائيل في «الخندق نفسه من ناحية الاستهداف»، ومعتمدين في هذا على تحقيقات «بريطانية ـ أميركية» تشير إلى أن إسرائيل تقع في «المرتبة الثانية» بعد استهداف الولايات المتحدة. وعطفاً على ما تقدّم ذكره، يسفّه شلحت فكرة أن إسرائيل «تغيرت» بفعل قبول شارون «رؤيا» بوش حول حل الدولتين، ويؤكد أن هذا «التغيير» ينبغي إخضاعه للفحص في ضوء حدثين هامين: الأول ـ هجمات 11 أيلول 2001. والثاني ـ مبادرة السلام العربية المذكورة التي أطلقتها قمة بيروت في آذار 2002. فلئن كان في الحدث الأول ما يفسّر دوافع «التغيير» لدى شارون (أقلمة نفسه للظروف الدولية الجديدة التي شرعت الإدارة الأميركية البوشية تدفع بها خطوات كبيرة إلى الأمام)، فإن الحدث الثاني قد وضع هذا «التغيير» على محك الاختبار العملي، وأثبت أنه لا ينطوي على أي شيء جديد جوهري.