​ 12 حزيران هو موعدٌ خاص ومميّز لجميع الروس. إنه يوم روسيا. عيد رسمي للدولة، التي أعلنت سيادة روسيا الاتحادية في مثل هذا اليوم من عام 1990. هذه الدولة التي يبلغ عمرها أكثر من ألف عام، اكتسبت من الناحية الرسمية، ملامح جديدة. وبمعنى رمزيّ، يتمُ حسابُ تاريخِنا الحديث من هذه اللحظة.
تتسم هذه المرحلة بتغيرات واسعة النطاق في النظام الدولي، والقوى الاستعمارية السابقة تقاومُ بشدةٍ فقدانَ نفوذها، وتسعى جاهدةً الى تقويضِ أُسُسِ القانونِ الدولي. بِنْيَةُ التفاعلِ بين الدول تنهارُ أمام أعيننا. كلُ هذه الاضطرابات تؤدي إلى تفاقمِ احتمالاتِ الصراعِ في جميع أنحاء العالم وتخلقُ «نقاطَ غليانٍ» جديدة.
في ظلِ هذه الظروف، لا تزالُ روسيا واحداً من المراكز الرائدة في النظام العالمي الجديد، وقادرة على ضمان أمنها بشكل كامل في مواجهة أيّ تحديات. هذا بالضبط ما تهدف إليه العملية العسكرية الخاصة التي تنفذها موسكو في أوكرانيا، والتي جاءت كردّةِ فعلٍ على التهديدات الوجودية التي تواجهها بلادنا.
إن الغرب بشكل منهجي وغير رسمي انتهك الاتفاقيات الدولية، واستمر في خلق بُؤَرِ توترٍ على طول الحدود الروسية. هل هذا ما يفعله الشركاء الذين يحترمون حقًا نظراءَهم ويهدفون إلى تعزيز الاستقرار على المدى الطويل؟ لا. أعتقد أنهم لا يفعلون ذلك، وهذا السلوك غير مقبولٍ على الإطلاق. لذلك لم يكن أمام روسيا خيارٌ آخر سوى بدءِ العملية العسكرية الخاصة، لوقف هذه المخاطر.
إن تاريخَ الدولةِ الروسية حافلٌ بالأمثلة حيث القوى الخارجية حاولتْ تقويضَ أسسِ الدولة، وتقسيمَ المجتمع، وفرضَ قرارات غير صحيحة من الناحية الاستراتيجية، وإضعافَنا بكل طريقة ممكنة. في الوقائع الحالية للحرب غير المعلنة التي اندلعت ضد روسيا، لا يلجأ أعداؤنا إلى القوة العسكرية والضغط الاقتصادي فحسب - بل إن هناك مواجهة صعبة تحدث بالفعل على الجبهة الأيديولوجية.
فالغربُ، الذي لا يملك أيّ حقٍ أخلاقيٍّ، يبثّ أطروحاتٍ مفادها أن موسكو تحتاج إلى «توبةٍ عن الخطايا»، غيرِ الموجودةِ أصلًا، والتخلّي عن سيادتها. حتى إنه يتمُ طرحُ أفكارٍ حول «إنهاء الاستعمار» الأسطوري لروسيا، والذي يتمثل هدفه الوحيد في زعزعة وحدة الشعب. في مثل هذه اللحظات، يتذكر المرءُ «الصيغةَ» التي تعكسُ مسارَ دولتِنا منذ العصور القديمة: «لكي تحيا روسيا يجب أن تكون قوية، وإلا لن تحيا».
حاول الغربُ تحويلَنا إلى منبوذين وأعلنوا الحرب الاقتصادية علينا. لكن من الواضح أن المبادرين لم يقدّروا عواقبَ مثلِ هذه التدابير. فقد أدّتِ الجهودُ المبذولةُ لعزلِ بلدنا في جميع المجالات إلى تفاقمِ أزمات الغذاء والطاقة في العالم، والتي بدأت في أعقاب جائحة COVID-19.
هذه المحاولات الغبيّة، كان لها تأثيرٌ مؤسف على الاقتصاد العالمي بأكمله تقريباً. فقد أدّى التقييدُ المصطنع لأكبرِ مورد للطاقة والموارد الزراعية، إلى خللٍ جوهري في التوازن في أسواق المبيعات العالمية. ونتيجة لذلك، فإنّ البلدان النامية، ذات الاقتصاد الضعيف، هي التي تعرّضت أكثر من غيرها للمعاناة من الحرب الهجينة ضد روسيا. هذه المعاناة شعر بها لبنان أيضاً.
تشهد «أرض الأرز» صعوبات ليس من هذا الاضطراب الخارجي فقط، ولكن أيضًا من التناقضات الداخلية، المؤججة من الخارج، والتي أصبحت سببًا لفراغٍ سياسي طويل الأمد. نحن نتعاطف مع اللبنانيين ومقتنعين بأنهم سيتغلّبون على كل المصاعب التي حلّت بمصيرهم. وروسيا مستعدة لمواصلة تقديم المساعدة للبنان الصديق.
نحن منفتحون على التعاون مع لبنان في مجموعة واسعة من المجالات. وإننا على ثقة من أن هناك إمكانيةً لزيادةٍ متعددة في التعاون، بما في ذلك في ميدان التجارة والاقتصاد والثقافة والعلوم والتعليم.
من المهم أن نفهم جيداً أنه ليس لدينا أجندةٌ خفيّة. هدفُنا الوحيدُ هو الحفاظُ على حوار متبادل المنفعة، وتطويرهُ بروح حسن الجوار. لقد بنينا ونبني وسنواصل بناء التعاون مع الجمهورية اللبنانية على أساس المراعاة المتبادلة للمصالح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والاحترام المطلق لسيادة بعضنا البعض.
في هذه النقطة الإيجابية، أودّ أن أذكر مرة أخرى حقيقةً بسيطة: روسيا صديقةٌ ومدافعة عن كل أولئك الذين يميلون إلى الحوار البنّاء وليس لديهم نوايا خبيثة. مثلَ هذا الشريك، نراه في بيروت.
بالنسبة إلينا، 12 حزيران هو عيدُ الحريةِ وسيادةِ القانون وانتصارِ العدالة. هذه قيمٌ عالمية ثابتة، وأنا متأكدٌ من أن اللبنانيين يشاركونَنا إياها بالكامل. لذلك، سأغتنمُ هذهِ الفرصةَ لأهنّئَ بحرارةٍ جميعَ الروس المقيمين في لبنان، وأبناءَ وطننا، وأصدقاءَنا اللبنانيين بيوم روسيا!

* سفير روسيا الاتحادية في لبنان