تحتاج وزارة المال إلى تغطية قانونية لسداد 37 ألف مليار ليرة للرواتب والأجور وبدلات النقل
مقاربة قوى السلطة لهذا الملف، تأتي في سياق التخبّط الذي وقعت فيه منذ اليوم الأول للإفلاس. فمع انهيار قيمة الليرة تجاه الدولار، تباطأت السلطة في التعامل مع الملف بشكل واضح وحاسم وتركت القوّة الشرائية للأجور تتآكل. ومع تسارع الانحدار في قيمة العملة، تسارع الانهيار في القوّة الشرائية للعاملين في القطاع العام، وفي الحاصلات الضريبية أيضاً. واتخذت السلطة مسألة التحصيل الضريبي ذريعة لمزيد من التباطؤ والتجزئة. وبدأت تمنح العاملين في القطاع العام زيادات شهرية ثابتة على الأجور تحت اسم «مساعدة اجتماعية». وبعد كرّ وفرّ استمرّا لعدّة أشهر، أُقرّت الموازنة العامة لعام 2022 قبل نهاية السنة نفسها بثلاثة أشهر، وجرى تضمينها المادة 112 التي تمنح العاملين في القطاع العام ضعفي أساس الراتب الشهري أو أساس الأجر على ألا يقل الراتب عن 5 ملايين ليرة وألا تكون قيمة الزيادة فوق 12 مليون ليرة. وبعدها قرّر مجلس الوزراء منح العاملين في القطاع العام زيادات إضافية تحت المسميات نفسها. وفي الجلسة التالية، أُقرّت مجموعة مراسيم تتعلق بفتح اعتمادات إضافية في الموازنة لتغطية التعويض المؤقت وزيادة بدلات النقل ومعاشات التقاعد. باختصار، تقول اللجنة المكلّفة «دراسة الزيادات التي قُدمت إلى القطاع العام وإعادة تفعيل العمل في الإدارة العامة واقتراح التدابير لإصلاح القطاع العام»، إن الحكومة أقرّت الزيادات الآتية:
- 50% من بدلات الرواتب من تشرين الثاني 2021 إلى حزيران 2022.
- 100% من بدلات الرواتب من تموز إلى أيلول 2022 بالإضافة إلى بدلات إنتاجية لمدة شهرين عن آب وأيلول 2022.
- 200% من مخصّصات الرواتب منذ تشرين الأول 2022 بموجب قانون الموازنة.
- 400% من بدلات الرواتب، و300% للمتقاعدين.
- زيادات متتالية في بدلات النقل.
- السماح للموظفين الحكوميين بسحب رواتبهم بالدولار الأميركي بسعر صيرفة الأقل من سعر صرف الدولار في السوق.
كل هذه التجزئة للزيادات على رواتب العاملين في القطاع العام تأتي في سياق رغبة السلطة في المزيد من التقشّف وتدمير القطاع العام الذي لطالما زعمت بأنه غير منتج. فمنذ أمد بعيد وقفت قوى السلطة ضدّ مصالح ومكتسبات العمّال في القطاعين العام والخاص، وامتنعت مراراً عن منحهم حقوقهم في غلاء المعيشة. كان أزلام المصارف يستشرسون في مجلس الوزراء ومجلس النواب لقيادة خيار تهديم القطاع العام. ومسار التجزئة في الزيادات للعاملين في القطاع العام، يعني تهجير الأكثر كفاءة في هذا القطاع، وقد أدّى التباطؤ في التعامل مع الرواتب والأجور وسائر المخصّصات إلى إقفال الإدارات والمؤسسات العامة بكل أشكالها، وهو أمر انعكس مباشرة على مصالح الناس التي تعطّلت، حتى باتت الرشوة حافزاً شبه وحيد لتخليص المعاملات. بعض القطاع العام بات رهينة الخارج والمساعدات التمويلية الآتية من هناك، ما شكّل دافعاً من أجل استعمال هذه الأموال والنفوذ المرتبط بها لمشاريع سياسية... الفوضى في القطاع العام هي نتاج سلوك السلطة.