يعود بي الزمن إلى عام 1946، إلى ذلك الوقت الذي ألقى فيه كمال جنبلاط خطاباً في بلدة بيصور مُتوجّهاً إلى الجمهور:«إنّي أعتقد أنكم تُخطئون عندما تنظرون إلي كواحد من آل جنبلاط، فأنا لا أريد منكم هذه النظرة. أنا أقول لكم انتخبوا الشباب الذين ترون فيهم الحضارة والأدب والإخلاص ولا تنتخبوا ابن هذا البيت أو ذاك».
وما وعد به كمال بك حصل في أول أيار 1949، تاريخ إنشاء الحزب التقدمي الاشتراكي. وكنت أنا، عزت صافي، الشاب في سن الواحدة والعشرين من ضيعة باتر - الشوف، من أوائل المُنتسبين الجنبلاطيين إلى الحزب الاشتراكي في 22 أيار 1949.
لم يعرف لبنان حزباً سياسياً جديداً شقّ طريقه بالسهولة والسرعة اللتين شق بهما الحزب طريقه إلى صفوف الناس في جميع المناطق والطوائف في فترة 1949 – 1950، فانتشرت فروع الحزب في بيروت والشوف وعاليه والمتن، وفي أقضية كسروان وجبيل والبترون والكورة وطرابلس وعكار، وفي زحلة وبعلبك، وفي جنوب جبل عامل وحاصبيا وراشيا.
استشهد معلمي كمال جنبلاط ورحل، وأتى وليد جنبلاط في أخطر مرحلة في تاريخ لبنان، فأرسى هذا الشاب في حينها معنى القيادة العسكرية والسياسية وحماية الوجود وصون الكرامات. ورغم كل المصاعب وويلات الحرب انتصر وليد جنبلاط وانتصر الحزب، وأعاد وليد كمال جنبلاط بعد الحرب إرساء الجيرة والمحبة في الجبل بين جميع مكوّنات الوطن. وها هو الجبل اليوم جبل الجميع، جبل المحبة وجبل الرجال الرجال.
اسمح لي رفيق تيمور أن أُعيد على مسمع جميع الرفقاء الحاضرين اليوم كلمات كمال جنبلاط في مهرجان أُقيم على شرفه في بلدة حراجل الكسروانية:
«كنت وأنا صاعد في هذه الجرود أتذكّر أمجاد لبنان من أوله إلى آخره. أتذكر الأمير فخر الدين والأمير بشير موطنه غزير الكسروانية. أتذكر كل هذا يوم لم يكن في لبنان طائفية ولا تفرقة ولا ميزة تفصل بين لبناني وآخر إلا ميزة الوطنية والانتماء إلى الإنسانية».
وها أنا اليوم في الرابعة والتسعين لا أزال ولن أزول إلا تقدمياً اشتراكياً... عشت في زمن كمال جنبلاط وأعيش زمن وليد جنبلاط، واليوم يا رفيقي تيمور ها هو زمنك يبتدئ من اليوم وصاعداً. فاجعل من شعار الحزب «مواطن حر وشعب سعيد» هدفك ورؤيتك للمستقبل، وتذكّر دوماً أن الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء.