استغرب أهالي بلدة الكفور من وقوف رئيس البلدية خضر سعد في صفهم للمرة الأولى في معركتهم ضدّ الجرائم البيئية التي يذهبون ضحيتها. فبعدما تحرّكوا لإقفال المعملين الخميس الماضي، تقدّم سعد في اليوم نفسه بادّعاء ضدهما إلى النيابة العامة البيئية. ما يعزوه البعض إلى ضغط الأهالي عليه أو الوعي بأنّ الأثر البيئي لن يعفي أحداً، يفسره الناشط في دير الزهراني جمال بدران بأنه «حقنة مخدر لتمرير مشروع إنشاء مطمر للنفايات في دير الزهراني، وحتى لا تقوم قيامة الناس بسبب مطمر من غربهم ومعمل حرق إلى جنوبهم. لذلك، سيقفلون المعمل لبعض الوقت». «لا يمكن تحمّل رائحة الحريق في كل مساء، ويمكن رؤية السحاب الأسود الذي يلفّ المنطقة وما يصدره من مادة الكربون الأسود الناجمة عن التفكك الحراري»، هكذا يدرك أبناء المنطقة أن هذين المعملين ينتجان «السرطان». مع ذلك، تبدو فكرة إقفالهما نهائياً سريالية، نظراً إلى الأرباح التي يجنيها كل منهما، إذ يصفهما بدران بـ«منجم ذهب» بلا رأسمال. «فهما يجمعان الإطارات من سوريا ولبنان، ويستخرجان منها زيوت الطاقة والنحاس والمطاطات لأرضية الملاعب، وتصل الأرباح إلى 30 ألف دولار في اليوم».
الرواية الأولى لانفجار الأهالي نهار الخميس تقول إنّ «حريقاً نشب في بورة طهماز، حيث تُجمع الدواليب المستعملة، ليتبيّن أنه، خلافاً للتوصيات البيئية، قام طهماز ليل الأربعاء بحرق الإطارات ثم تخزين مخلّفاتها عشوائياً عبر رمي كمية كبيرة من الكربون خارج المعمل، ما نجم عنه اشتعال نيران أرعب الأهالي الذين نزلوا إلى الشوارع». وبحسب صاحب الرواية، وهو رئيس البلدية نفسه، كان تحرك الأهالي أمام معمل «الخنسا» الذي ظهر عبر وسائل الإعلام «فشة خلق جرّاء قمعهم من التظاهر أمام معمل طهماز المسؤول عما حصّل».
إلا أنّ العضو في المجلس البلدي، الذي شارك في تظاهرات الأهالي، توفيق صفا يقدّم رواية مغايرة تماماً، ويقول: «استيقظنا صباح الخميس على دخان يغطي السقوف وسواد يلفّ الأرض، ليتبيّن أنه طوال الليل كان أحد المعملين يشعل الإطارات خارج المعمل، ما نجم عنه كثافة انبعاثات لم نشهدها من قبل». أما الحريق الذي تحدّث عنه سعد فـ«لم يسمع أحد به»، وتحرُّك الأهالي أمام معمل «الخنسا» دون معمل طهماز يعود إلى «عدم افتتاحه من الأصل بعدما عرف صاحبه بفورة الأهالي».
إقفال المعملين «حقنة مخدّر» لتمرير إنشاء مطمر للنفايات؟


هذا التباين في سرد ما حصل يفسّره أبناء البلدة بـ«تحيّز رئيس البلدية لمعمل الخنسا إلى حدّ التستر عليه». ويردّ سعد في حديث إلى «الأخبار» على ذلك بالقول: «لا أنفي الضرر البيئي الناجم عن هذه المنشآت، لكن الخنسا التزم فعلاً بتوصيات الخبير البيئي ناجي قديح المكلف من قبل البلدية الكشف على عمل المعامل والتزامها شروط حماية البيئة، خلافاً لطهماز الذي لم يلتزم بشروط السلامة البيئية، علماً أن قديح أجرى دراسة شاملة منذ سنة ونصف سنة وأعطى توجيهاته للمعامل باستمرار، لكنه خارج البلاد الآن وننتظر عودته لمواصلة عمله». إلا أنّ سعد وصفا يتفقان على نقل ما شاهدته إحدى اللجان الشعبية في المنطقة أثناء جولتها أمس، أي «طمر جبال من المواد الملوثة الناجمة عن الإطارات المشتعلة، وتسمى النفناف في معمل طهماز لإزالة أيّ أثر للجريمة البيئية».
يُذكر أن المحامي حسن بزي تقدم بادعاء ضدّ المنشآت المخالفة لقانون البيئة في الكفور بصفة شخصية مع أربعة محامين آخرين من جمعية «الشعب يريد إصلاح النظام»، وحصل إثرها على قرار قضائي عام 2020 بإقفال 11 منشأة، وهو نافذ حتى الآن، وينصّ على وضع المنشآت تحت الرقابة، أي تعيين خبراء للكشف على التزامها الشروط البيئية على مدار السنة، علما أنّ القرار لم يطبّق آنذاك لأسباب مادية ترتبط بتكليف الخبراء على عاتق الجهة المدّعية، فلماذا لا يُستفاد من مفاعيل القرار لرفع دعاوى قضائية ضد المخالفين؟ أو بمعنى آخر، ما الفائدة من ادّعاء جديد على الجهة ذاتها التي لم يردعها قرار قضائي من قبل؟