صوّت مجلس الأمن الدولي، أمس، على قرار التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفل) لولاية جديدة تستمر لعام. وهي المرة الأولى، التي يخرج فيها القرار من دون إجماع، بعد امتناع روسيا والصين عن التصويت، تضامناً مع لبنان الذي تمّ تجاهل مطالبه بتعديل مسوّدة القرار الذي أعدّته فرنسا في صيغة أولية، ثم عادت وغيّرته استجابة لضغوط التحالف الأميركي - الإسرائيلي - البريطاني - الإماراتي، رغم أن مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة جان مراد كرّرت ثوابت الموقف اللبناني الرافض لاعتماد قرارات تمسّ السيادة اللبنانية، وتحاول تعديل وجهة عمل القوات الدولية من قوات حفظ سلام لإدارة نزاع بين لبنان والعدو إلى قوات في مواجهة مع فئة لبنانية.الخلاصة التي انتهى إليها مجلس الأمن أمس فتحت الباب واسعاً أمام نقاش قد لا يحصل في لبنان، حول المسار السياسي والدبلوماسي المفترض اتّباعه في مواجهة تحديات كهذه، إذ إن الولايات المتحدة، والقوى الحليفة لها في لبنان، لا تتوقف عن اتهام السلطة بالخضوع لوصاية المقاومة، فيما واقع الحال يظهر، كما في كل مرة، بأن الجهات الرسمية اللبنانية أكثر خضوعاً للطلبات الأميركية، وأقل مراعاة لما يتطلّبه الموقف الوطني، وليس موقف حزب الله، إذ لم تبذل الجهات الرسمية جهوداً كافية، ولم تستخدم كل أوراق القوة، لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل «جريمة» العام الماضي التي ارتكبتها مندوبة لبنان السابقة أمال مدللي، واكتفت بالسعي إلى إضافة عبارة «التنسيق مع الحكومة اللبنانية» إلى البند الخاص بحرية حركة القوات الدولية، كـ «تحسين» للقرار يقود إلى تنظيم حركة القوات وليس تقييدها بضوابط السيادة اللبنانية.
تداعيات القرار في لبنان كثيرة، وإن لم تكن هناك توقّعات باندلاع مواجهة سياسية، أو أن تخرج قوى لمناقشة الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب حول كيفية إدارة الملف.
مراد أكّدت في كلمة لها عقب التصويت أن القرار «لم يأخذ في الاعتبار خصوصية الواقع الحالي في ما يخص سيادة لبنان على أرضه». وأوضحت أن «قوات اليونيفل لديها كامل حرية الحركة لكنّ بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية»، ولفتت إلى أن هذه الحركة «يجب أن تكون لديها ضوابط من أجل حفظ سلامة هذه القوات والاطّلاع على مهامها»، مشيرة إلى أن «الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كان واضحاً في توصيف الوجود الإسرائيلي في لبنان بأنه احتلال». وسألت: «لماذا اللجوء في القرار الحالي إلى لغة تشبه إلى حد كبير القرارات المعتمدة وفقاً للفصل السابع؟».
مندوبة الإمارات زايدت على مندوبَي أميركا وبريطانيا: حزب الله يستهزئ بالقرارات الدولية


من جهته، أعرب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا «عن أسفنا لأن النص الذي اعتُمد لم يُراعِ التوفيق الذي تم التوصل إليه مع لبنان»، داعياً القيادة الموحّدة لليونيفل إلى مواصلة تنسيق أنشطتها في منطقة العمليات مع الحكومة اللبنانية. فيما أكّد المندوب الصيني جنغ شوانغ أن بلاده التي تشارك في اليونيفل «تشعر بأن التنسيق مع الجيش اللبناني ضروري لحفظ السلام في المنطقة». واعتبر مندوب بريطانيا جيمس كاريوكي أن «القرار 1701 لطالما كان واضحاً. اليونيفل عليها أن تتخذ كل الإجراءات بما يكفل حرية حركة وسلامة طاقمها (...) ومن غير المقبول بأن اليونيفل لا يمكنها الوصول إلى بعض المواقع شمال الخط الأزرق بما في ذلك المواقع الحدودية ولا سيما أن حزب الله يقر بتكديسه السلاح».
المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد ركّزت في مداخلتها على ضمان حرية الحركة لطواقم اليونيفل «للاضطلاع بمهماتها في وجه محاولة بعض الجهات الفاعلة عرقلة حرية التنقل وقدرتها على تسيير دوريات مُعلَن عنها وغير مُعلَن عنها». إلا أن المداخلة المدوّية جاءت من مندوبة الإمارات لانا نسيبة التي استطردت في خطاب زادت مدته على مداخلات زملائها وانفردت بالتهجم على حزب الله بالاسم. وبنبرة حادة، واعتبرت أن «التوترات على طول الخط الأزرق وصلت إلى مسار غير مسبوق منذ عام 2006، إذ لطالما استهزأ حزب الله بالقرارين 1559 و1701 ونصب منصات وقام بتدريبات وهذا ما فاقم أزمات لبنان المدمّرة ومنها انفجار مرفأ بيروت». ولم تتوانَ عن الإملاء على الحكومة ما عليها أن تفعله وأن «تحترم التزاماتها وهو ما لم يحصل في بعض الأوقات». وكشفت عن دور بلادها في إقرار «وصول اليونيفل إلى مواقع إطلاق النار غير المرخّصة للمرة الأولى في قرارات التجديد لليونيفل». كذلك كانت مداخلات لكل من البرازيل وغانا واليابان وألبانيا دافعت عن حرية الحركة لليونيفل.
النص الذي صدر، حثّ «جميع الأطراف على التعاون الكامل مع رئيس البعثة واليونيفل في تنفيذ القرار 1701، فضلاً عن ضمان حرية حركة اليونيفل في جميع عملياتها ووصولها إلى الخط الأزرق بشكل عام من دون عوائق(...) وعملاً بالاتفاق المتعلق بمركز قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (SOFA) بين حكومة لبنان والأمم المتحدة، اليونيفل لا تحتاج إلى إذن مسبق أو الإذن للقيام بالمهام المنوطة بها والتي يحق لليونيفل القيام بها بشكل مستقل، مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة». ولم يلبّ النص طلب لبنان تسمية المنطقة المحتلة شمال بلدة الغجر، باسمها الحقيقي وهو خراج بلدة الماري، كما رفض وصف تواجد العدو هناك بأنه قوة احتلال. كذلك نجح العدو في فرض ما يحرّض على اشتباك اليونيفل مع الأهالي ومع المقاومة من خلال مطالبة القوات الدولية بإزالة ما يعيق حركة قواتها أو يُعرّضها للسلامة، في إشارة إلى مستوعبات أقامتها جمعية «أخضر بلا حدود».