صيف 2017، عُقد آخر لقاء جمع مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان والقضاة الشرعيين في المحاكم الشرعيّة السنيّة الذين زاروا دار الفتوى اعتراضاً على قرار تعديل دوام العمل في القطاع العام. مذذاك، ساد جفاء بين الطرفين، زادته الأزمة الاقتصاديّة ومطالبات القضاة لدار الفتوى بتحسين رواتبهم ومُعاملتهم بالمثل مع القضاة المدنيين. وعلى قاعدة «سدّ الباب الذي يأتي منه الريح»، أُبلغ القضاة رسمياً بأنّ أبواب الدار مُقفلة في وجوههم، وأن مطالبهم يجب أن تمر عبر رئيس المحكمة القاضي الشيخ محمّد عسّاف.هكذا أعرض القضاة عن الدار وصاحبها وبقي صندوق التعاضد فارغاً من أيّ مُساعداتٍ تقيهم شرّ العوز... إلى أن تبدّلت الأمور قبل أيّام بعدما ضخ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي 300 مليار ليرة في الصندوق أسوةً بالقضاة العدليين (ألف مليار)، ما أعاد الحياة إلى المُساعدات الاجتماعيّة التي يتلقّاها القضاة الشرعيون (أقل من 500 دولار)، إضافة إلى تغطية جزء من المصاريف المدرسيّة والجامعيّة والاستشفائيّة.
سريعاً، التقطت الدوائر الرسميّة في دار الفتوى «اللحظة»، فاقترح عسّاف على القضاة لقاء دريان لشكره، في مشهدٍ يحتاج إليه الأخير بعد تمديد ولايته للإشارة إلى أنّه ما زال قادراً على «حضن» المشايخ والقضاة الشرعيين «تحت عباءته». وكان له ما أراد، في جلسة وصفها الحاضرون بـ«الهادئة».
بعد دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهداء في غزّة، انتقد مفتي عكار السابق القاضي الشيخ أسامة الرفاعي ما قاله الشيخ خلدون عريمط بشأن الحرب في غزّة واتّهامه «الجماعة الإسلامية» بأنّها ملحقة بإيران وأن مقاومة العدو الإسرائيلي وحمل السلاح في وجهه لا يمثّلان إلا 7% من المجتمع اللبناني. وحذّر الرفاعي من أن هذه المواقف «تهزّ الشارع السني»، سائلاً دريان رأيه في ذلك، فسارع المفتي إلى «التبرّؤ» من عريمط، مشدداً على أنّ «موقفه لا يُمثّل دار الفتوى وإنّما يمثّل نفسه».
كذلك أثار القاضي الشيخ همام الشعار موضوع التمديد للمفتي، فبرّر عسّاف سرعة اتخاذ قرار التمديد بما معناه «أننا نضمن موافقة المجلس القديم على التمديد على عكس المجلس الجديد الذي قد يُماطل»، لافتاً إلى خوف المشايخ من «نواب الثورة» الذين يدعمون «الشذوذ الجنسي»، ما يمكن أن ينتهي الى انتخابٍ مفتٍ لا يُراعي الأحكام الإسلامية! وعلى عكس حماسة عسّاف، بدا دريان زاهداً بالتمديد، إذ أكد أنّه لم يرشّح نفسه ولم يقبل بفكرة التمديد أصلاً، مضيفاً: «إذا كان التمديد قانونياً فأنا غير معنيّ، وكذلك إذا ما كان غير قانوني».
من جهة أخرى، طرح دريان قضيّة وقف البر والإحسان ودعا القضاة إلى الاجتماع وحل خلافاتهم، رافضاً «سابقة الشكاوى القانونيّة بعد تسجيل 4 شكاوى بين القضاة»، علماً أنّ اثنين من القضاة المعنيين (وائل شبارو وعبد الرحمن الحلو) اعتذرا عن عدم حضور اللقاء. وشدّد دريان على «أنّني لا أتدخّل في عمل القضاة، وأرفض الاتصال بأحد للضغط عليه في الأحكام». ومع ذلك وجّه انتقادات إلى شبارو من دون أن يسميه.