بعد الإطلاع على الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر حجم الدمار ومنهجية القصف على قطاع غزة، ورغم أن الصور هي غير إحترافية للإضاءة والتركيز على آثار الدمار والهدم من الناحية الهندسية، يتبين أن الدمار الحاصل مدروس بعناية فائقة بحيث يأتي حصاده لحظة القصف وما بعدها، على المديين القريب والبعيد. بمعنى آخر، يبدو أن العدو، بعد «التسطيح»، يحاول «اغراق غزة وتشليقها» من خلال بدء معارك خفية يمكن تحديد بعض ملامحها على الشكل التالي:

صورة لحالة الأبنية غير القابلة للسكن


صور للأبنية المهدمة ومعالم البنية التحتية المفقودة


معركة صحية
تشير الوقائع إلى أن المعركة الصحية ستكون صعبة جداً على الغزاويين، مع قصف غالبية المباني والأبراج والعمارات السكنية بقذائف كبيرة وارتجاجية ( زلزالية)، وما ينتج عنها من تصدّع كامل للبناء وتهدم للجدران (راجع «القوس»: تسطيح غزة)، مما يمنع إمكانية إيواء الناس في المنازل التي تفتقد أساساً لكافة عوامل الحياة. ومما يصعب هذه المعركة قدوم فصل الشتاء، مع وجود مئات الضحايا والجثث التي بدأت بالتحلل تحت الأنقاض.

المعركة الاقتصادية
لم يقتصر القصف والتدمير على المباني والأبراج والمنشآت، بل طال أيضاً، بشكل كبير، البنية التحتية من طرقات وجسور وشبكات الصرف الصحي والكهرباء والهاتف، إضافة إلى آبار ومحطات المياه وألواح الطاقة الشمسية.
وبعد انتهاء العدوان، سيواجه الغزاويون مشكلات وتحديات إضافية تتخطى عبء كلفة رفع الانقاض وهدم الأبنية المتصدعة والآيلة للسقوط، والتي بحسب الصور يبدو أن عددها كبير ويقدّر بأكثر من 60%.
إلى ذلك، من الواضح أن الهدف من قصف البنية التحتية ليس محصوراً فقط بتحويل الأحياء الى مناطق غير صالحة للسكن لمدة طويلة جداً (تفوق السنة)، وإنّما تحويل هذه المناطق والأحياء الى مستنقعات للمياه الآسنة الآتية مما تبقى من منشآت صالحة للسكن ومن مياه الامطار والسيول التي تحتوي على بقايا الجثث المتحللة. فيتم بذلك اغراق غزة ببرك المياه التي ستجد طريقها الى الحفر الناتجة عن القنابل الخارقة والتي تسببت بحفر عميقة.

صورة لحفرة تتوسط ملتقى طرق حيث دمّرت شبكة الصرف الصحي وكامل البنية التحتية، وتحوّلت الى مستنقع للمياه الآسنة


صورة للسيول الناتجة عن قصف الاحتلال لبئر المياه الرئيسي في تل الزعتر، يمكن ملاحظة اتجاهها نحو المناطق الأكثر انخفاضاً


معركة الأنفاق والحفر
بالنظر الى الصور أدناه، يظهر أن «عقدة الخنادق والأنفاق» لدى العدو الإسرائيلي هي شغله الشاغل، فلا يدّخر قنبلة لكشف هذه الأنفاق عبر اللجوء إلى «تكتيك» إحداث حفرة عميقة قدر الامكان لعله يتمكن من تحديد فتحة نفق ما، أو أن يحدث بقوة الخرق والانفجار انهياراً في نفق ما، لكنه لم ينجح.
إغراق غزة ببرك المياه الآسنة التي تحتوي على بقايا الجثث المتحللة والتي ستجد طريقها الى الحفر الناتجة عن القنابل الخارقة


لذلك لجأ العدو الإسرائيلي الى استعمال القنابل الخارقة والمضيئة داخل الحفر الموجودة قبل الهجوم البري، إنطلاقاً من فكرة أن الاحتراق يكشف مكان وجود أنابيب التهوئة، فتتحول الى «شاروق هواء» يسحب الاوكسجين من تلك الانفاق ويكشف مكانها، فلم تنجح خطته.
وهو الآن يسعى إلى اغراق الحفر العميقة بسيول مياة الخزانات المقصوفة لربما يفضح تسريب المياه الى تلك الحفر أماكن الخنادق. لكن كمية المياة في الآبار لم تكن كافية، وهو ينتظر هطول الامطار لعل كمية السيول التي تصل الى الحفر العميقة وتملؤها تفضح أماكن الأنفاق عبر حدوث انهيارات و«تشليق».





صور للحفر وعمقها واتساعها وقربها من الطرقات


معركة الواقع الاجتماعي
مع حجم الدمار الهائل والجرف للأراضي والمناطق، ستواجه الدوائر العقارية والمساحة والتنظيم المدني تحديات وضغوطاً ومشكلات كبيرة لإعادة تحديد حدود العقارات من جديد وإسقاط حدود الطرقات والتخطيطات وإسقاط أماكن و«شقلات» كافة البنى التحتية. يضاف إلى ذلك، تأكيد ملكية العقارات لاصحابها الفاقدي سندات الملكية الموجودة تحت الانقاض وعقود البيع وسواها.