شهران، ولا تزال المقاومة الفلسطينية تقارع العدو الصهيوني. شهران، ولا يزال الغرب الجماعي يواصل مقتلته اليومية بحق الشعب الفلسطيني كاشفاً عن طبيعته الإجرامية ونفاق عويله على حقوق الإنسان، ومؤكداً أنه والكيان الاستعماري حقيقة سياسية واحدة، ومعادية لقضية العرب الأولى. هي لحظة الوضوح وسقوط الأقنعة، التي تحتّم على الحائرين والمضَلّلين العودة إلى الجوهر الحقيقي للصراع لاستدراك طريق بناء مستقبلنا العربي. ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيها المقاومة طبيعة صراعها مع العدو، إلا أنها المرة الأولى التي يكون فيها هذا الغرب الاستعماري وبشكل جماعي شريكاً حربياً واضحاً جاهزاً لخوض معركة الحفاظ على صنيعته إسرائيل، الأمر الذي لا يترك أيّ مجال للشك بأننا نخوض حرب تحرير وطني ضد هذا الاستعمار الذي - ومنذ دخول الرأسمالية مرحلة الإمبريالية، ما انفكّ يخضع الوطن العربي للهيمنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى العسكرية.
وبعد أن أكدت المقاومة الفلسطينية أن عملية «طوفان الأقصى» هي معركة تحرّر وطني ولن تنتهي إلا بتحرير فلسطين، وجب على كل القوى الداعمة للمقاومة أن تأخذ هذا الأمر في الاعتبار وأن تنخرط في عملية دعم فعلية لهذه المعركة، كل حسب إمكاناته ومقدرته، محدّدين العدو الحقيقي لهذه الأمة المتمثل بهذا الغرب الجماعي الإمبريالي.
فالمعركة إذاً لا تنحصر بالمواجهة العسكرية مع جيش الاحتلال، بل ينبغي أن تنال من الوجود الاستعماري المباشر لبلادنا، ذلك أن على نضالنا أن يرتقي إلى مقارعة العدو الرئيسي الخارجي بعد أن انكشفت حقيقته بوضوح أمام شعوب العالم قاطبة. إن الراعي الأساسي للكيان الصهيوني والأنظمة العربية التابعة التي تشكل العدو الداخلي هو هذا الغرب الإمبريالي الذي لا يزال يتحكّم ببلادنا وبكل سبل المعاش ومقدّرات الصمود لشعبنا، ويمنع تطورها وتقدّمها وتحقيق استقلالها الوطني الفعلي. ومع أنه يعتمد لتحقيق أهدافه على الكيان والأنظمة التابعة والأدوات المحلية، فإن التحول النوعي الحاصل جراء انكشاف حقيقة الصراع يشكل فرصة لوقف التلهي بالاشتباكات المبعثرة مع الأعداء الداخليين الذين سيتساقطون، بالضرورة، مع كسر الهيمنة نفسها وفرض التراجع على قوتها المركزية. فلقد جَنَت شعوبنا العربية من سياسة الانشغال بالتغيير في ظل الهيمنة والاحتلال الخيبة واليأس اللذيْن لا نزال نتخبط فيهما حتى الآن. لذلك، علينا أن نَجهد مضاعفةً لكي نعيد للشارع العربي التفاؤل والثقة بأنه قادر ومن الآن، أن يبدأ معركة بناء مستقبله بأن يكون سنداً فاعلاً للمقاومة عبر تسديده الضربات لمصالح الغرب المباشرة في بلادنا. كما يتوجّب على قيادات الأحزاب والقوى الوطنية الداعمة للمقاومة أن تكون على رأس جماهيرها، إذ إن الواقع أثبت أن لا تحرك منتجاً للجماهير، إلا إذا كانت وراءه أحزاب وكتل اجتماعية وازنة، منظّمة، وشخصيات ونخب فكرية وثقافية.
إن البطولة الاستثنائية والتضحيات الضخمة للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وكذلك شجاعة وبطولة وتضحيات مختلف جبهات محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسوريا، هي ذات طبيعة تاريخية تتطلّب ارتقاء في إدارة المعركة بما يساعد على تحقيق الإنجاز الأكبر، وليس في ذلك مبالغات أو أوهام.
فالاستقلال الفعلي لبلادنا وتقدّمها لن يكونا ممكنيْن إلا في سياق القطع مع نظام الهيمنة والتحرر من الاستعمار – الشرط الوحيد الذي سيمكّننا من استعادة القرار السيادي الوطني الحر. وفي هذا مصلحة لأكثرية الفئات الاجتماعية في بلداننا العربية. من هنا، تأتي دعوتنا إلى جميع المخلصين للقضية الوطنية أن يتّحدوا في النضال في هذه المرحلة من أجل تحقيق مهمة الحد الأدنى. لكنها تلك التي ستضعنا على السكة الصحيحة، ألا وهي أن نكون سنداً فاعلاً للمقاومة في إنهاء الهيمنة المباشرة لهذا الغرب على مقدّرات بلادنا، وأن نقوم ببذل أقصى جهد من أجل نصر كبير لعملية طوفان الأقصى يجعلها، فعلياً، خطوة متقدّمة من صيرورة التحرر الوطني الشامل.

شيوعيون لبنانيون
10/12/2023