بحريّة مُطلقة، يفرد النائب فؤاد مخزومي جناحَيه في دار الفتوى. فرصةٌ قد لا تتكرّر على الأرجح في الحياة السياسية لرئيس حزب «الحوار الوطني». فهو، لولا اعتكاف الرئيس سعد الحريري وإزالة بعض الأصفاد عن الأبواب السعوديّة التي بالكاد فُتحت أمامه، ما كان ليتخيّل، في أجمل أحلامه، أن يصبح «الرجل الأوّل» في الدار والآمر الناهي فيها.في المقابل، تسود الدهشة أهل «الدار» الذين لم يكونوا يتخيّلون، في أسوأ كوابيسهم، أن يهبط حب مخزومي، هكذا فجأة، على مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان الذي لطالما حذّر من نائب بيروت وحرّض عليه. اليوم، مخزومي زائر «دوّيم» للدار، ولا يكاد يمر أسبوع لا يجمعه فيه لقاء مع دريان الذي أسبغ على نائب بيروت حصة من التعيينات في المؤسسات التابعة لدار الفتوى تفوق حيثيته التمثيلية بأشواط.
نهاية السنة الماضية، أظهرت التعيينات في صندوق الزكاة وإذاعة القرآن الكريم ومؤسسات محمد خالد الاجتماعية نية واضحة لدى المفتي لكفّ يد تيار المستقبل مقابل إطلاق يد «المخزوميين»، فعزل المحامي حسن حلواني، المقرّب من رئيس «جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية» أحمد هاشميّة، من عضوية مجلس عمدة المؤسسات وعيّن مكانه المحامي المقرّب من مخزومي محي الدين كشلي (عُيّن أيضاً في اللجنة المنبثقة عن «الدار» لمتابعة أوضاع السجناء في رومية). وفي صندوق الزكاة الذي كان يرأس إدارته النائب نبيل بدر، حلّ رئيس «مؤسسة مخزومي» سامر صفح نائباً للرئيس، بعدما طلب بدر من المفتي تعيين بديل عنه لانشغاله في النيابة، مقترحاً تعيين القنصل محمد الجوزو.
«صندوق المشايخ» الذي أعلن عنه مخزومي لا يُغطي إلا فحوصات الدم!


هكذا، يقضم مخزومي، بمساعدة المفتي، حصّة «البيارتة» داخل مؤسسات دار الفتوى، ويُحكم سيطرته على «عائشة بكّار» التي تعطيه في المقابل غطاء سياسياً سنياً يتصرّف على أساسه ليجمع تحت عباءته المشايخ، كما حصل قبل أيّام في لقاء بيروتي، ومن دون المرور بـ«اتحاد جمعيات العائلات البيروتية»، باعتبار أنّ الرجل يُعد نفسه ممثل العاصمة الذي يقف على مفترق السراي الحكومي. وكلّ ذلك يحصل بـ«أبّة باط» سعودية، طالما أن رئيس «الحوار الوطني» يُزعج «الحريريين» ويُربكهم من دون أن يُشكّل بالضرورة خطراً أكبر من ذلك.
قبل أربع سنوات، طرح مخزومي على دريان إنشاء صندوق لمساعدة علماء «الدار» ومشايخها بعد توقف المساعدة الإماراتية، غير أن المفتي رفض الاقتراح بحجة رفضه أن تتولى جهة سياسية مساعدة المشايخ، ولـ«عدم صبغ دار الفتوى بصبغةٍ سياسية». إلا أن الأرجح أن السبب الحقيقي للرفض يومها هو عدم إثارة غضب الرئيس سعد الحريري. ومع «استقالة» الأخير من الحياة السياسية، وافقت عائشة بكّار أخيراً على مشروع تقدّم به مخزومي لإنشاء صندوق صحي لتأمين طبابة واستشفاء العلماء وأئمة المساجد والعاملين فيها ضمن نطاق العاصمة، وهو ما قابله نائب بيروت والمحسوبون عليه بـ«طنّة ورنّة» و«تطبيل إعلامي»... قبل أن يتبيّن أن «بطاقات التغطية الاستشفائية» تغطّي المشايخ وزوجاتهم فقط (من دون أولادهم)، وتقتصر على تغطية «فحوصات مخبرية» في مختبرات «MDTC». ولدى اتصال «الأخبار» بالمختبر المذكور، تبيّن أن البطاقة لا تغطي أكثر من حسم 50% على فحص الدم فقط!

«أمر اليوم» من «عائشة بكّار»: دافعوا عن التمديد للمفتي
بـ«كبسة زر» دارت المحرّكات للدفاع عن قرار «المجلس الإسلامي الأعلى» التمديد لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان. وفودٌ تحجّ إلى دار الفتوى لإعلان تأييدها للقرار، وتوجيه رسائل إلى مجلس شورى الدولة الذي ينظر في طعن بالتمديد قدّمه قضاة شرعيون. «أمر العمليّات» بتأييد التمديد فُهم كهجوم استباقي للتأثير على قرار الشورى، علماً أنّ متابعين يستغربون «الهلع» الذي دبّ بين أنصار المفتي. إذ إنّ قرار «الشورى» لن يصدر قريباً، و«ما يقوم به المفتي هو السماح لبعض السياسيين بتسليفه مواقف لا تُغني ولا تُسمن من جوع».
وبالتزامن، عاد رئيس المحكمة السنيّة الشرعيّة القاضي الشيخ محمّد عسّاف إلى الضغط على القضاة الشرعيّين لتوقيع بيانٍ داعم للمفتي. وقال قضاة إنهم سمعوا تلويحاً بإحالة من لا يوقّع إلى التفتيش، خصوصاً بعدما امتنع هؤلاء عن توقيع بيان صدر في 28 الشهر الماضي تضمّن تجريحاً شخصياً بحق مقدّمي المراجعة أمام شورى الدولة القاضيَين الشرعيَّين عبد العزيز الشافعي وهمام الشعّار.
«حملة التطبيل» للتمديد افتتحها الوزير السابق محمّد شقير الذي حذّر في بيانٍ صادر عن تجمع «كلنا لبيروت»، إثر اجتماعه الدوري الأربعاء الماضي، من أنّ «التطاول على مفتي الجمهورية يُعدّ تجاوزاً للخطوط الحمر ولعباً بالنار». واتّهم مقدّمي المراجعة بأنهم «يرمون إلى المساس بسمعة دار الفتوى ومرجعيّتها وموقع سماحة المفتي دريان بما يمثّلان على الصعيدين الإسلامي والوطني». وتمنّى على شورى الدولة أن «يأخذ في الحسبان الأهداف المريبة التي تقف وراء المراجعة»! علماً أن البيان جاء بعد أيامٍ قليلة من تشكيلاتٍ في بعض المؤسسات التابعة لدار الفتوى، حصل شقير فيها على حصة وازنة، بتعيين القنصل محمد الجوزو رئيساً لمجلس أمناء صندوق الزكاة، ونائب رئيس «كلنا لبيروت» محمد خالد سنو رئيساً لعمدة مؤسسة هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية. وبعد ساعاتٍ قليلة من بيان شقير، لحقه بيانٌ لـ«اتحاد جمعيّات العائلات البيروتيّة» أعلن «دعمه ووقوفه إلى جانب دريان في وجه الحملات المغرضة التي تهدف إلى إضعاف مرجعيّة المسلمين الأولى». لكن معلومات أكّدت أنّ البيان تم «تشذيبه» بعدما رفض أكثر من عضو في «الاتحاد» التعرّض للقاضيَين الشافعي والشعّار، لافتين إلى أنّهم يوافقون على إصدار بيان يتضمّن كلاماً عاماً عن مقام الإفتاء. وهو ما حصل، قبل أن «يبقّ» رئيس «الاتحاد» محي الدين كشلي «البحصة»، مؤكّداً لسائليه من الأعضاء عن سبب إصدار هذا البيان بأنّ «المفتي طلبه مني»!