هو الزمن الجميل الذي بات في الحلقات الأخيرة من مسلسلٍ طويل قدّم نجوماً كباراً إلى عالم المستديرة. نجومٌ أمتعوا وتفنّنوا وسرقوا القلوب، لكن بما أن سنّة الحياة تفرض نهايةً لكل شيء، كانت النهاية الحزينة بخروج الأرجنتيني ليونيل ميسي وغريمه البرتغالي كريستيانو رونالدو من قارة أوروبا، قبل أن يفعلها أيضاً حامل الكرة الذهبية الفرنسي كريم بنزيما الذي نافسهما بنجوميته أقلّه في الموسمين الأخيرين.فعلاً يعرف الجميع في أوروبا بأن اليوم الأخير لهؤلاء سيأتي لا محالة، لكنهم مثلاً تشبّثوا بأمل مشاهدة مواجهة مباشرة إضافية بين رونالدو وميسي في السعودية حيث يلعب الأول مع النصر، بينما تلقّى الثاني عرضاً من الهلال لكنه رفضه، ليترك لبنزيما الساحة لمقارعة زميله السابق في ريال مدريد الإسباني.

نهاية أسطورتين
الواقع أن نقلة هؤلاء إلى خارج كرة القدم الأوروبية كانت مفاجئة إلى حدٍّ كبير، ولو أن هناك قناعة بأن مشوار رونالدو في أوروبا لم يكن ليصبح أفضل من موسمه الأخير مع مانشستر يونايتد الإنكليزي حيث سجّل تراجعاً واضحاً في المستوى. لكن بالتأكيد فإن عدم رغبة ميسي في اللحاق به وتفضيل فريق متواضع في الولايات المتحدة كانا مفاجأة غير سارّة لمحبيه لأنه أثبت في الموسم المنتهي بأنه لا يزال قادراً على العطاء على أعلى مستوى. والمسألة عينها يمكن ربط بنزيما بها، فهو خرج من مدريد محاطاً بالتصفيق الحارّ كونه أنهى الموسم مجدداً كأفضل هدّافي فريقه الذي حاول الإبقاء عليه أقلّه لموسمٍ إضافي.
هو حسرةٌ بالفعل عدمُ حضور مواجهة متجددة بين رونالدو وميسي، وأيضاً خيبة عند الأوروبيين والأميركيين الجنوبيين وكل تلك البلدان البعيدة عن السعودية، إذ لن ينغمس عشاق الكرة هناك بشكلٍ كامل في متابعة مباريات الدوري السعودي الذي يحاول شقّ طريقه ليكون في طليعة البطولات الوطنية في العالم. أضف أن الخيبة الكبيرة التي مني بها عشاق ميسي تتمثّل بفارق التوقيت بين أوروبا وحتى بلدانٍ آسيوية وأفريقية عدة وبين الولايات المتحدة حيث تكون المباريات غالباً في الفترة المسائية التي تصادف مثلاً ساعات الفجر في الشرق الأوسط.
بما أن سنّة الحياة تفرض نهايةً لكل شيء، كانت النهاية الحزينة لنجومٍ لا يتكررون


«شو بدنا نعمل عندما سيعتزل ميسي ورونالدو؟». عبارةٌ قديمة تردّدت في عزّ أيام التألق التي عرفها النجمان الكبيران، وعادت لتطفو حالياً لأن خطوة الثنائي هي تمهيدٌ للاعتزال، أو بالأحرى مجرد وجود ميسي على سبيل المثال في الولايات المتحدة يعني أن الرابط بينه وبين الأكثرية الساحقة من جمهوره قد انتهى بفعل الاهتمام البسيط بالدوري الأميركي خارج قارة أميركا الشمالية.
كما يمكن وضع بنزيما في هذا الإطار أيضاً، إذ تملّك جمهور ريال مدريد خوفاً كبيراً في كل مرّةٍ قيل إن المهاجم الجزائري الأصل سيغيب بداعي الإصابة، وهو الذي لم يجد الريال بديلاً له لتعويضه بحُكم افتقاد العالم الكروي عامةً إلى لاعبين بجودته في مركز رأس الحربة.

عباءة النجومية فارغة
بالفعل «صعّبها» ميسي ورنالدو وبنزيما على الجميع الذين باتوا يسألون اليوم عن بدلائهم في عالم النجومية المطلقة، إذ صحيح أن هناك لاعبين مميزين في الوقت الحالي أمثال الفرنسي كيليان مبابي والنروجي إيرلينغ هالاند، لكن من المبكر الحديث عن ارتدائهما عباءة النجمين الراحلين عن «القارة العجوز»، وحتى ارتقاء المنافسة بينهما على جوائز الأفضل كونهما لا يلعبان في الدوري نفسه على غرار ما كان عليه الوضع بين «ليو» والـ«سي آر 7» اللذين أشعلا «الليغا» وحدّة التحدي والإثارة بين قطبيها.
هؤلاء النجوم الثلاثة سيكون الافتقاد إليهم كبيراً على مسرح أبرز البطولات الأوروبية، تماماً كما هو الحال عليه بالنسبة إلى النجم الآخر السويدي زلاتان إبراهيموفيتش، الذي علّق حذاءه منهياً مسيرة جميلة، استمتع بها كل من تابعه على أرض الملعب وخارجه حيث تميّز الهدّاف الفارع الطول بتصاريحه الجريئة وكلامه الذي تناول به الخصوم وحتى نفسه، تاركاً بصمةً في أكبر البطولات الوطنية، والكثير من العبارات التي جابت العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجعلت منه متعةً لمشاهديه ولمستمعيه الذين يأملون اليوم عودةً سريعة له إلى الملاعب من خلال دورٍ إداري أو فني يعكس عبقريته الاستثنائية.
ببساطة لا متعة مطلقة بعد اليوم لأن الكرة لن يداعبها أولئك النجوم الكبار الذين أغلقوا صفحة رائعة في تاريخ اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ومهما وُلد نجومٌ جدد فلن يتكرر أيٌّ منهم أقله في المستقبل القريب.