لم تمضِ بضعة أشهر على توقيع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو مع نادي النصر السعودي، حتى كرّت سبحة استقدام النجوم مقابل مبالغ فلكيّة. انتقل خلال الأسابيع القريبة الماضية صاحب الكرة الذهبية في نسختها الأخيرة، الفرنسي كريم بنزيمة إلى نادي الاتحاد، وسط مفاوضات مكثّفة بين أندية المملكة ولاعبين آخرين من الصف الأول، يبرز منهم مدافع نادي باريس سان جيرمان سيرجيو راموس، متوسط ميدان ريال مدريد لوكا مودريتش، ثلاثي تشيلسي أنغولو كانتي، إدوارد ميندي وحكيم زياش، ولاعب وسط وولفرهامبتون روبن نيفيز …أسماء لامعة هجرت مكانها ضمن أفضل الدوريات الأوروبية لترسو في دولةٍ تتطلع إلى تطوير دوري كرة القدم الخاص بها بحسب تصريح المسؤولين هناك، ما يعيد إلى الأذهان التجربة الصينيّة التي حصلت قبل بضع سنوات، والتي انتهت بالفشل.
كما السعودية، أرادت حكومة الصين بقيادة رئيس البلاد شي جين بينغ تسليط الضوء على القطاع الكروي المحلي، فسمحت للمستثمرين الصينيين بفتح الخزائن. هكذا، استقدمت أندية «Chinese Super League» لاعبين بارزين من مختلف الدوريات الكبرى مقابل مئات ملايين الدولارات، أمثال مارك هامسيك وستيفان الشعراوي وأوسكار وهالك وباولينيو وجاكسون مارتينيز… من دون إغفال التوقيع مع مدربين من حجم فابيو كابيلو ومانويل بيليغريني ومارتشيلو ليبي...
أسماء لامعة وأخرى مخضرمة تركت الأضواء واتجهت شرقاً وراء المال في خطوةٍ نبّأت ببروز الصين على الساحتين الآسيوية والعالمية تباعاً، غير أن ما حدث كان مغايراً تماماً.
تُشير التقديرات إلى امتلاك الصندوق السيادي ميزانية تلامس المليار دولار في كل موسم


الإنفاق العشوائي من دون ضمان تدفّق عائدات مستقبلية هزَّ كيان الأندية الصينيّة، وظهرت الكارثة أكثر مع تبعات فيروس كورونا على القطاع الكروي ككل، إلى أن جاءت الضربة القاضية عبر الحكومة الصينية نفسها من خلال تضييقها على العلامات التجارية ووضعها سقفاً للرواتب بهدف الحؤول دون تفاقم الهدر المالي، وخاصةً أن العقود الباهظة لم «تُضف أيّة قيمة متأصلة للمنتج».
نتيجة ذلك، أفلست معظم الأندية الصينية وقفزت نجومها فوق «السور» هرباً من تقليص المستحقّات، حتى أصبحت كرة القدم المحلية في وضعٍ أسوأ مما كانت عليه قبل بدء مشروع النهضة.
واقع تجربة الصين يمثّل تحذيراً ربما لكرة القدم السعودية، وخاصة أن البلدين قاما بشراء أندية خارج الحدود، ففشل الصينيون في إيطاليا وتحديداً مع إنتر ميلانو وجاره ميلان، فيما اشترت السعودية نادي نيوكاسل يونايتد الإنكليزي، وبدأت بالإنفاق عليه في محاولة لمنافسة مانشستر سيتي المملوك إماراتياً، ورغم النجاح في الموسم الأول مع نيوكاسل، إلا أن المخاطر تبقى قائمة على المدى الطويل، وخاصة في ما يتعلق بإمكانية خرق قوانين اللعب المالي النظيف.

(أ ف ب )

الخريطة التي رسمتها السعودية شملت أيضاً خصخصة أكبر أربعة أندية في البلاد هي: النصر، الاتحاد، الأهلي والهلال، على أن يأتي الاستثمار مباشرةً من صندوق الاستثمارات العامة (نفس مصدر تمويل فريق نيوكاسل)، وسط مساعٍ بمضاعفة الإيرادات السنوية كما أشار القيّمون.
تُشير التقديرات إلى امتلاك الصندوق السيادي ميزانية تلامس المليار دولار في كل موسم لتمويل عقود أكبر المواهب العالمية. الإضاءة على الدوري المحلي بعد السيطرة على نادي نيوكاسل قد تُمثّل قوام ملف استضافة كأس العالم 2030 أو 2034، ولكن الأمر لن يكون سهلاً، وخاصة أن الإنفاق هائل، وإذا لم يكن المدخول قادراً على تغطية جزء مهم من النفقات، ستدخل الكرة السعودية في نفق المشروع الصيني القديم، وبالتالي سيكون هناك الكثير من النكسات. والأمر الـ«مثير للريبة» بحسب العديد من المراقبين، هو التركيز على اللاعبين كبار السن، والذين لن يعمروا طويلاً في كرة القدم، وبالتالي فإن الإنفاق الكبير عليهم يمكن أن يساعد في الترويج، وليس في تطوير كرة القدم على المدى البعيد. وفي هذا الإطار فقد كان موسم كريستيانو رونالدو فاشلاً كروياً مع نادي النصر، إذ لم يحقق النادي «العالمي» كما يسمى أي بطولة، وخرج بموسم «صفري».
الإنفاق مستمر، والفترة المقبلة ستكون كفيلة بتوضيح الصورة أكثر.