لم تكن التجربة الأولى لقائد إنكلترا هاري كاين مع بايرن ميونيخ ناجحة، إذ إنه في ظهوره الأول مع فريقه الجديد لم يقدّم أي شيء يذكر، وهذا الأمر لم يكن هو سببه، لأنه ناهيك عن دخوله إلى الملعب بعد ساعات على وصوله إلى ميونيخ، لم يكن يملك نجم توتنهام هوتسبر السابق أي فكرة عن طريقة لعب فريقه الجديد، ولم يحصل على أي وقت لكي يندمج مع أسلوب المدرب توماس توخيل.هذا الأخير مطالب بالتأكيد بالنتائج الإيجابية، وهذه النتائج لا يمكن أن تأتي إلا من خلال تأمين طريقٍ مفتوح إلى المرمى لهدافه الأول، إذ من دون الأهداف لا يمكن للفريق البافاري أن يسير قدماً في سعيه إلى تطوير أدائه، وهو ما ثبت عند ترك «ليفا» للفريق والانتقال إلى برشلونة الإسباني، فهو سجّل أقله ما معدّله 30 هدفاً في الموسم الواحد خلال تواجده مع البايرن، لكن مع رحيله لم يتخطَ أي لاعب حاجز الـ 15 هدفاً في الموسم الماضي.
إذاً كاين هو «المخلّص» والرجل المنشود الذي يمكنه إعادة بطل ألمانيا إلى سابق عهده، لكن هذا الأمر مشروط بأولئك الذين سيلعبون حوله في خط الهجوم ليؤمّنوا له أفضل السبل من أجل القيام بما يجيده أي التهديف وصناعة الانتصارات والاحتفالات.

ميّزات كاين وزملائه
قائد إنكلترا هو من طينة المهاجمين الذين يطلبون الكرة دائماً، ويتميّز بتمركزه بين الخطوط، وتفوّقه في الثلث الأخير من الملعب، وهي ميزات نادراً ما تجتمع في مهاجمٍ واحد، ما يحتّم على بايرن الاستفادة منها إلى أقصى الحدود، وخصوصاً أن أجنحة البايرن يتميزون بتوزيع الكرات أكثر من تسجيلها، لكن هذا لا يكفي، إذ خلف كاين يجب أن يتواجد لاعبان اثنان في الحالة الهجومية، إضافةً إلى ظهيرين يمكنهما لعب دور الجناحين في حالاتٍ تكتيكية معيّنة، وهو ما سيؤمّن لكاين عمقاً أكبر في الهجوم، يخفّف الضغط عنه من جهة ويزيد من فعالية الفريق من جهةٍ ثانية.
بايرن لديه أصلاً كل مواصفات اللاعبين الهجوميين الذين يمكنهم أن يؤمّنوا دعماً مختلفاً لكاين، فكل واحدٍ منهم يتميّز بأسلوبٍ مختلف، من سيرج غنابري وليروي سانيه وصولاً إلى توماس مولر والفرنسي كينغسلي كومان. لذا أيّاً كان الثنائي خلف كاين عليهما أن يحجزا المدافعين عند تقدّم الظهيرين لكي يخلقا المساحة المطلوبة للنجم الإنكليزي للانطلاق بحرية إلى داخل منطقة الجزاء، إما للتسجيل وإما لسحب المدافعين الآخرين، ما يخلق مساحةً أيضاً للقادمين من الخلف ليشكلوا الخطورة على المرمى.
مقاربة تكتيكية دقيقة مطلوبة لإخراج الوحش الهجومي من كاين


من هنا، الخيارات الأفضل لتوخيل على طرفي الملعب يجب أن تذهب إلى لاعبين بخصال معيّنة، وهي أن يتمتعوا بالسرعة في الانطلاق، والمهارة في المساحات الضيّقة، والقدرة على الجري بين المدافعين في اللحظة المناسبة لخلق خطٍ للتمرير، وبالتالي تلقّي الكرة في المنطقة المحرّمة، وهو واجب لاعب الوسط الثالث أيضاً بحيث يعمل كمهاجمٍ وهمي من خلال إخراجه لاعبي الوسط المنافسين من مراكزهم وملء الجيوب الفارغة في قلب المنطقة.

الأدوار المناسبة
ولحسن حظ بايرن أنه يملك لاعبين من هذه النوعية مثل غنابري وكومان على الطرفين، وسانيه ومولر خلف كاين، علماً أن الموهوب الشاب جمال موسيالا يمكنه أن يشغل مركزاً أيضاً على الجهة اليسرى، وهو ما سيساعد كاين كثيراً لأن الأخير يتمتع بقدراتٍ فردية خلاقة، ويتكامل مع وجود مولر في الوسط - الهجومي، وسانيه على الجهة اليمنى أو اليسرى في حال شارك غنابري على الميمنة.
كما لا يمكن إسقاط كومان من أي معادلة لكن شرط أن يقوم بنفس عمل موسيالا وسانيه اللذين يعشقان الجري بالكرة من منتصف الملعب لا انتظارها على الخط من أجل القيام بالمبادرة الهجومية.
هنا، دور مولر سيكون الأهم لإراحة كاين كونه الأكثر خبرة والأكثر تطبيقاً للمقاربة التكتيكية عند إعطائه مهمةً مزدوجة، وهي مساعدة لاعبي الوسط في الحالة الهجومية، ولعب دور المهاجم الثاني في المنطقة خلف الهداف الإنكليزي الذي يجب إيجاد خط تواصل واضح بينه وبين غنابري تماماً كما كان الأمر عليه أيام وجود ليفاندوفسكي مع الفريق حيث انفجرت الموهبة التهديفية للاعب الدولي، ما يعني أن عملاً ينتظر كاين لمساعدة زملائه على التسجيل.
باختصار على توخيل إيجاد التركيبة التي وجدها يوماً المدرب السابق يوليان ناغلسمان، ومحورها ظهيرين متقدّمين في الخط الأمامي، ولاعبَي وسط مهاجمَين في النصف الثاني من الملعب، ولاعبَين آخرين يحوّلان الخطة إلى ماكينة هجومية مرعبة تضرب من مختلف الأماكن والجهات، ما يعني أن مدرب بايرن هو من سيرفع كاين إلى أعلى مستويات التألق أو سيغرقه في مستنقع الخيبة القصوى.