بهدفٍ وحيد وجميل لقاسم الزين في الدقيقة 77 ثأر منتخب لبنان من نظيره الهندي بعدما عجز عن الفوز عليه في ثلاث مناسبات هذه السنة. فوزٌ مهم لا لأنه منح منتخبنا المركز الثالث في كأس الملك بل لأنه مثّل حاجةً ماسّة بعد السقطة أمام تايلاند (1-2) في المباراة الماضية، والتي أثارت موجةً من الانتقادات والاتهامات التي خرج بعضها بطريقةٍ عشوائية كتلك التي حُكي فيها عن فقدان المدرب الصربي الكسندر إيليتش السيطرة على غرف الملابس، وعن انقسامٍ ما داخل المنتخب نفسه.كل هذا محاه هدف لبنان في مرمى الهند حيث أعقبه احتفال غير عادي للاعبين في غرف الملابس مع مدربهم. احتفالٌ قد يستغربه البعض لكن يعرف معناه من هو على تماسٍ مباشر مع اللاعبين بشكلٍ يومي، فهؤلاء عانوا بلا شك من ضغوطٍ رهيبة لا ذنب لهم فيها، وخصوصاً بعدما بالغ البعض في اتهامهم بالتقصير، فجاء الفوز بمثابة «فشّة خلق» بالنسبة إليهم، لينفّس عنهم قليلاً، وطبعاً عن مدربهم الذي كان مطالباً بانتصار أكثر من أي وقتٍ مضى.

انتصار مستحقّ
هذا الانتصار استحقّه لاعبو لبنان كثيراً بالنظر إلى التزامهم الكبير خارج الملعب وداخله، إذ إن الأجواء المستقرة التي عاشها المنتخب في معسكره التايلاندي وقبلها في المحطات التحضيرية الأخرى، أرادها اللاعبون أن تنعكس نتائج فنية إيجابية على أرض الملعب. هم باحتفالهم بعد اللقاء بدوا وكأنهم يريدون مكافأة أنفسهم، وكأنهم أيضاً لا يريدون إهدار كل ما تمّ العمل عليه حتى الآن بغضّ النظر إذا كانت كل الخيارات أو القرارات صائبة.
وبالتأكيد لا بدّ أن تكون ردود الفعل إيجابية هذه المرّة لأنه بعكس ما يصوّر البعض فإن الجمهور المحلي ليس ضد منتخب بلاده بل إن «زعله» أحياناً يأتي من محبته له وغيرته الوطنية، فهو يريد أن يرى مجدّداً ذاك المنتخب الذي ثبّت قدميه بين كبار آسيا في فترةٍ من الفترات.
بعكس ما يصوّر البعض فإن الجمهور ليس ضد المنتخب بل إن «زعله» أحياناً يأتي من محبّته له


هذا وتقاطع الفوز اللبناني على الهند مع نقاطٍ مضيئة، أولاها الروح القتالية التي تميّز بها اللاعبون طوال فترة المباراة، حيث لم يبخل أيّ منهم بنقطة عرق من أجل الدفاع عن ألوان المنتخب، وهو ما برّرته إصابة البعض بشدّ عضلي أو بكدمة من هنا وضربة من هناك، حيث حضرت الفدائية في أداء العناصر الذين اختارهم إيليتش لهذه المواجهة إن كانوا أساسيين أو احتياطيين.


الخيارات المنتظرة
بكل الأحوال اختيارات إيليتش هي ما كان ينتظرها المتابعون بعد اللقاء أمام تايلاند، وبعد استدعائه للاعبين مخضرمين أصحاب خبرةٍ وباع طويل على الساحة الدولية.
في الشقّ الأول، ذهب المدرب إلى خياراتٍ مغايرة كليّاً عن المباراة الأخيرة، إذ اعاد توزيع لاعبيه، كلٌّ بحسب مركزه الطبيعي، ما خلق التوازن بين الخطوط وأبعد أي وجود لثغرة في هذا المركز أو ذاك. أمرٌ جيّد التقى مع القرار الأفضل بتسمية لاعبين أصحاب خبرة في التشكيلة التي سافرت إلى تايلاند، ومن ثم إشراكهم بشكلٍ أساسي في مواجهة الهند، فكان وجود ماهر صبرا مهماً جداً على الجهة اليسرى التي سبق أن شغلها مع النجمة والمنتخب. هو شارك بالهدف الذي سجّله الزين، الذي أثبت مرةً جديدة بأنه أحد أفضل اللاعبين في مركزه، وقد أراح بوجوده في خط الظهر وليد شور أكثر، ما أكّد أحقية الأخير بمركزٍ أساسي حيث وقف سدّاً منيعاً أمام غالبية الهجمات الهندية.

كما أن الدفع بجهاد أيوب إلى وسط الملعب أفاد المنتخب أكثر وأراح علي طنيش «السيسي»، ومكّن باسل جرادي من تأدية أدواره الهجومية بشكلٍ أفضل، بينما كان المكسب الكبير «مايسترو» الوسط محمد حيدر الذي كان قائداً بكل ما للكلمة من معنى، مؤكّداً بدوره المحوري أنه لا يزال حاجةً ضمن هذه المجموعة، وخصوصاً أنه ليس هناك أي لاعب شاب يمكنه أن يملأ مكانه.

إذاً هذه هي المكاسب الفعلية التي حصدها المنتخب من سفره إلى تايلاند، والتي بلا شك ستجعل إيليتش يتوقف عندها مراجعاً خياراته وحساباته السابقة، ففي نهاية المطاف، الهدف من كل محطة تحضيرية هو البناء على الإيجابيات والوقوف عند السلبيات والعمل على تذويبها بغية الوصول إلى الأهداف المنشودة، وذلك مع اقترابنا من محطاتٍ أكثر أهمية وتنافسية، حيث سيلعب «رجال الأرز» مباراة ودية مع منتخب مونتينيغرو الشهر المقبل على أن يبدأ خلال الشهر الذي يليه مشواره في التصفيات الآسيوية المؤهّلة إلى نهائيات كأس العالم 2026، التي ستعقبها بداية العدّ التنازلي للحدث الأهم وهو نهائيات كأس آسيا في شهر كانون الثاني من عام 2024.