يُلقي الحدث الفلسطيني بظلاله على كلّ الميادين، والرياضة ليست استثناءً. ورغم المحاولات الدائمة للقيّمين على اللعبة بـ«عزل» الرياضة عن السياسة بما يخدم مصالحهم طبعاً، تؤكد جماهير كرة القدم أنها نبض الشعوب، وعنصر مؤازرة كبير جداً للقضايا الوطنية، وتلك المحقّة التي لا تحتمل المواقف الرمادية، أو التي تحابي الأنظمة. خير دليل على ذلك هو جماهير فريق نادي سلتيك الإسكتلندي، التي أصبحت بمثابة صوت فلسطين الأعلى في الأوساط الغربية.تُعد فلسطين ومظلوميتها جزءاً لا يتجزّأ من وجدان وأفكار جماهير سلتيك، تحديداً عبر «ألتراس» النادي الذي يُعرف بـ«الكتيبة الخضراء» أو «The Green Brigade». اعتادت تلك الشريحة منذ تأسيسها عام 2006 مناصرة الحق في مختلف القضايا العالميّة، إدراكاً منها بشعور الاضطهاد الذي عاشته في أكثر من مرحلة، خاصةً أن النادي نفسه تأسّس على أيدي مهاجرين أيرلنديين عانوا الأمرّين من بريطانيا وبطشها في السابق.

وفي كل حدث مرتبط بفلسطين، يتكرر المشهد على مدرجات ملعب سلتيك بارك. أعلام فلسطينية تُرفع وكوفيات تزيّن الرؤوس، كما هتافات تطغى أحياناً على مؤازرة لاعبي الفريق أنفسهم.
مناصرةٌ لافتة لم تخلُ من «تضييق الغرب» وازدواجية معاييره، حيث تعرّضت جماهير سلتيك لغرامات متفرّقة من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، كتلك التي حصلت في مباراة ضمن تصفيات دوري أبطال أوروبا أمام «هبوعيل بئر السبع» الصهيوني على خلفية «لافتات غير مشروعة» بحسب وصف الاتحاد الأوروبي. دَعَم «يويفا» قراره حينها بالمادة الرقم 16 من لوائح الاتحاد الأوروبي، متغافلاً عن لافتات أخرى خدمت مصالح «أسياده»، رُفعت في الملاعب أثناء العملية الروسية - الأوكرانية.
ومع ذلك، استمرت جماهير سلتيك بتضامنها غير آبهةٍ بالعقوبات، لتؤكد أن الحرية والحقوق لا يمكن تجزئتهما، ولا يمكن إدانة ظلم في مكان ما، والتعامي عنه في مكان آخر.

جماهير سلتيك دعمت المقاومة الفلسطينية بعد عملية طوفان الأقصى، وخلال مباراة الفريق يوم السبت الماضي أمام كيلمارنوك ضمن الجولة التاسعة من الدوري الإسكتلندي، رفعت مجموعة الكتيبة الخضراء الأعلام الفلسطينية ولافتات كُتب عليها «الحرية لفلسطين» كما «انتصار المقاومة»، وطوال المباراة ردّدت الهتافات الداعمة لحق الفلسطينيين بالحرية وتقرير المصير.
ولاقى هذا الأمر تفاعلاً هائلاً على وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، ورسائل دعم من الجماهير العربية.
عرفت عملية «طوفان الأقصى» تضامناً كبيراً في المنطقة العربية


تضامن عربي
على غرار أسكتلندا، عرفت عملية «طوفان الأقصى» تضامناً كبيراً في المنطقة العربية أيضاً، كان أبطاله فرق كرة قدم من تونس والكويت ولبنان كما شخصيات رياضية بارزة.
وردّدت جماهير نادي الترجي التونسي عبارات مناصرة لفلسطين خلال مباراة فريقها ليل السبت ـ الأحد أمام الاتحاد المنستيري مع رفعها أعلاماً وشعارات فلسطينية، قبل أن يأتي الدور على «النادي الأفريقي» بنشره عبر صفحته الرسمية في منصة «فيسبوك»: «إنّا باقون، ما بقي الزعتر والزيتون، كانت القضية الفلسطينية ولا تزال ملازمة لتاريخنا النضالي الذي لا نحيد عنه مهما طال الزمان. وقوفنا مع إخواننا في فلسطين واجب مقدّس، وتوأمتنا تاريخية مع كل مواطن فلسطيني أينما كان»، ثم أكّد أحقيةَ الفلسطينيين باستعادة أرضهم، وهو أمر مشابه لما نشره نادي اتحاد تطاوين على صفحته الرسمية في «فيسبوك» أيضاً.


من جهتهم، دخل لاعبو فريقي القادسية والعربي الكويتيين إلى المباراة السابقة من الدوري وهم يتوشّحون بالكوفية الفلسطينية، معبّرين عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ومقاومته.
دعم القضية حضر على الساحة الرياضية اللبنانية أيضاً، فدعم نادي العهد اللبناني فلسطين عبر منصات التواصل الاجتماعي، راجياً أن يكون لقاء الإياب أمام نادي جبل المكبّر المقدسي (يقع في مجموعة العهد ضمن كأس الاتحاد الآسيوي) في مدينة القدس بعد تحريرها.
والمشهد الأكثر من رائع، كان حاضراً على ملعب نادي النجمة الرياضي في المنارة بمنطقة بيروت، حين احتفل لاعبو النجمة (فئة 2009) بعد تسجيلهم أحد الأهداف برفعهم علم فلسطين، الأمر الذي أحدث تفاعلاً كبيراً داخل الملعب، وعلى منصات التواصل الاجتماعي أيضاً.
كان لافتاً أيضاً دعم العديد من الشخصيات الرياضية للقضية، منهم اللاعب المصري السابق والمحلّل في قنوات « beIN Sports» القطرية محمد أبو تريكة، الذي كتب على منصة «إكس»: «شجاعة في عصر كثر فيه التخاذل والانبطاح للصهاينة. طوفان الأقصى عبور جديد وأمل عظيم لأجيال قد ترى نصر أمة عانت الكثير. اللهم ثبّت أقدامهم وسدّدْ رميهم وانصرهم وكنْ معهم يا ربَّ العالمين. صباحكم فلسطين».

أمّا زميله في القناة نفسها، المعلق الرياضي العُماني خليل البلوشي فقد افتتح التعليق على مباراة ليفربول وبرايتون ضمن فعاليات الدوري الإنكليزي الممتاز بتوجيه التحية إلى فلسطين وأهلها، بعد أن كان قد كتب على منصة «إكس»: «... في هذا الوقت الحاسم، نقف إلى جانب إخوتنا وأخواتنا في فلسطين ونؤكد على ضرورة دعم قضيتهم والعمل من أجل إنهاء الاحتلال وإقامة دولتهم المستقلة. ونأمل قريباً بيوم تشرق فيه شمس الحرية والعدالة فوق أرض فلسطين. اللهم اجعل لأهلنا في فلسطين النصرة والعزة والغلبة والقوة والهيبة».
من جهته كتب المعلّق الجزائري حفيظ الدراجي: «هذه الأرض ﻻ تتّسع لهويتين وشعبين ودولتين. إمّا للفلسطينيين أو الفلسطينيين». كما كانت هناك مواقف داعمة أيضاً من المحلل الكروي والنجم التونسي السابق حاتم طرابلسي وغيره من الشخصيات المؤثّرة.

هذا التضامن يضاف إليه دعم كبير عبّرت عنهما جماهير الرياضة حول العالم، خاصة الجماهير العربية التي تفاعلت على منصات التواصل الاجتماعي بمختلف اللغات خلال الساعات الـ48 الأخيرة، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على أن المدرجات هي نبض الناس، وهي التي تنقل الأصوات والأفكار الحقيقية التي تسعى غالباً الأنظمة إلى إخفائها، وعدم السماح لها بالخروج إلى الضوء.