في وقتٍ سابق من هذا العام، اشترى ملّاك نادي تشيلسي الإنكليزي حصة الأغلبية في فريق آر سي ستراسبورغ الفرنسي. خطوة استثمارية أراد منها الملّاك الأميركيون تعزيز العلامة التجارية «للبلوز»، عبر اعتماد ستراسبورغ محطةً يتم تطوير اللاعبين الشباب فيها قبل تمثيل تشيلسي مستقبلاً. هكذا، سار مالك تشيلسي، الأميركي تود بولي، وشركاؤه، على نهج أندية أخرى تعتمد نظام تعددية الملكية أيضاً، مثل مانشستر سيتي وآر بي لايبزك، أملاً بتحقيق نجاحات مماثلة، لكنّ الطريق لم يكن معبّداً.عقبات عديدة واجهت إدارة البلوز أثناء سعيها إلى شراء النادي الفرنسي، تمثّلت أولاها في تشكيك اللجان المسؤولة عن قوانين اللعب المالي النظيف في المتانة المالية لتشيلسي، خاصةً بعد صرف قرابة المليار يورو في أقل من عامين ضمن أسواق الانتقالات. ومع ذلك، تمكّن بولي وشركاؤه في نهاية المطاف من امتلاك حصة الأغلبية في نادي ستراسبورغ، عبر «كونسورتيوم BlueCo» الذي اشترى تشيلسي قبل عام تقريباً.
العقبة الثانية تمثّلت بالتصويت على اقتراح يقضي بفرض حظر على إعارة اللاعبين بين الأندية المرتبطة بملكية مشتركة في الدوري الإنكليزي، الأمر الذي كاد أن يشكّل ضربة قاضية لمساعي بولي وشركائه. في نهاية المطاف، سقط الاقتراح لأنه لم يحظَ بدعم ثلثي الأعضاء اللازمين لتنفيذ التغيير (14 عضواً)، وانتهى التصويت بتأييد 13 نادياً مقابل اعتراض 7 أصوات، منها تشيلسي.
وبعد تجاوز العقبات القانونية، ظنّ ملّاك تشيلسي أن الصعب قد انتهى، لكنّ العقبة الثالثة لم تكن في الحسبان. مشجعو ستراسبورغ أنفسهم رفضوا أي علاقة مع BlueCo وملّاكها، وسط احتجاجات مستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي والمدرجات.
أبرز الاحتجاجات تقوده مجموعة متعصّبة للفريق الفرنسي تُعرف باسم «Ultra Boys 90»، وقد أصدرت قبل أيام بياناً لاذعاً جاء فيه: «الملّاك الجدد غير مرحّب بهم ولن يكونوا موضع ترحيب أبداً».
من جهتها، اعترضت مجموعة أخرى لجماهير ستراسبورغ تُعرف باسم «Fédération Supporters RCS»، ووجّهت خطاباً مفتوحاً إلى شركة «BlueCo» تتهم فيه الملّاك بـ«عدم الكفاءة»، مع التشكيك في سياسة «الإفراط في شراء اللاعبين الشباب الذين يعرّضون النادي لمخاطر رياضية».
ورغم تقديم «BlueCo» ضمانات «للحفاظ على إرث» ستراسبورغ منذ تولّي المسؤولية، استمر الاعتراض القاطع من جمهور الفريق.

ملكية المشجّعين
شغلت جماهير ستراسبورغ الوسط الكروي بحناجرها الصاخبة التي فاقت حجم الفريق نفسه. عادةً ما يسعد مشجّعو الأندية غير المنافسة عند بيع الفريق لملّاك أغنياء، لكنّ هذه الأعراف تحطّمت على أعتاب مدرجات ستاد دو لامينو. هناك، حيث كانت جماهير ستراسبورغ سعيدة بما تملك، وراضية بمشاهدة ناديها «المتواضع» في نهاية كل أسبوع، مهما كانت النتيجة.
بالنسبة إلى هذه الجماهير، هوية الفريق لا تُقدّر بثمن. فملايين الملّاك الجدد قد يشترون بطولة ما، لكنهم سوف يهدمون تراثاً يمثّل سكان المدينة، يحمل أصواتهم على المدرجات المغسولة بعرقهم ويربطهم بالأجيال الماضية والمقبلة. ببساطة، اشترى الأميركيون فريق ستراسبورغ، لكنهم لم (ولن) يتمكنوا من شراء جمهوره.
أبرز الاحتجاجات تقوده مجموعة متعصّبة للفريق الفرنسي تُعرف باسم «Ultra Boys 90»


حساسية الوضع تُعيد الإضاءة على ملكية المشجّعين، التي تحول دون تكدّس الأموال في جيوب أباطرة الأوليغارشية.
إن عدّة أندية أوروبية تخضع لملكية جمهورها، مثل فريق برشلونة، فيما تتضح الصورة أكثر في الدوري الألماني، حيث تُلزَم الأندية بأن تكون أغلبية أسهمها مملوكة للجمهور، مع وجود استثناءات طفيفة.
في ألمانيا، يجابه قانون «50 + 1» جشع الملّاك الأجانب عبر ضمان إلزامية احتفاظ أعضاء النادي (الجمهور) بـ 50% من حصص التصويت، إضافة إلى صوت واحد. عليه، تكون الكلمة النهائية في القرارات للجماهير التي تمثل أغلبية الأصوات، وليس للمستثمرين.
يمنع هذا القانون أيّ محاولة لتدمير ثقافة الأندية الألمانية، وهو ما تحتاج إليه جماهير ستراسبورغ ربما. النظر إلى النادي الفرنسي باعتباره حقل تجارب غير وارد على طاولة الجماهير، التي ستبقى تطالب بالحفاظ على هوية فريقها مهما كان الثمن.