طهران | في الوقت الذي لا تزال فيه إيران تخضع لأقسى العقوبات الأميركية والأوروبية، وفيما لا يلوح في الأفق ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه العقوبات ستُرفع أو تُخفض، تسعى الجمهورية الإسلامية، من خلال توسيع نطاق علاقاتها الديبلوماسية، إلى الحدّ من عزلتها على الصعيدَين الدولي والإقليمي، فضلاً عن إيجاد طاقات جديدة تسهم في تمتين علاقاتها التجارية والاقتصادية، وتعويض خسائرها الناجمة عن العقوبات الغربية. وفي هذا الإطار، قام الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال الأيام الماضية، بجولة على ثلاث دول أفريقية شملت كينيا وأوغندا وزيمبابوي. وقبل نحو شهر، سافر رئيسي إلى ثلاث دول في أميركا اللاتينية هي نيكاراغوا وكوبا وفنزويلا، وبعدها بفترة وجيزة، زار أندونيسيا؛ وكلّها وجهات تسعى طهران إلى توطيد علاقاتها معها، وخاصة في المجال الاقتصادي، رغم بُعدها الجغرافي عنها.واستهدفت جولة رئيسي الأفريقية، والتي تُعدّ الأولى لرئيس إيراني إلى القارة منذ 11 عاماً، «النهوض بالعلاقات مع الدول الصديقة والمتماثلة الاتجاه»، و«تنويع وجهات التصدير»، و«التمهيد للتعاون السياسي والتجاري»، في إطار ما تقول حكومة رئيسي إنه تنويع للعلاقات الخارجية، وتفادٍ لبناء السياسة على أساس العلاقات مع الغرب فقط، وذلك في إشارة ناقدة إلى حكومة حسن روحاني المتهَمة بتعظيم رهاناتها على الغرب والاتفاق النووي معه، وتجاهل الطاقات الأخرى المتاحة أمام إيران. وقبل فترة وجيزة من بدء رئيسي جولته الأفريقية، قُبلت إيران عضواً رسمياً في «منظمة شنغهاي للتعاون»، والتي يُنظر إليها بوصفها إحدى المنظّمات التي ستكون لها كلمة في مستقبل النظام الدولي الذي يشهد تراجع الأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة.
وتعليقاً على الخطوة الجديدة، كتبت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) أن «الحكومة الثالثة عشرة (إدارة رئيسي) اعتمدت في سياق ديبلوماسيتها المتّزنة والمتعادلة، توسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية، بهدف تعزيز مكانة إيران وصدقيتها في هذه القارة، وبالتالي جعلها سوقاً وهدفاً للصادرات». وكان رئيسي قد أعلن، في معرض إشارته إلى أن حصّة إيران من تجارة القارة الأفريقية البالغة 1200 مليار دولار، هي مليار و200 مليون دولار، أن «هذا الوضع غير مرضٍ البتّة»، وأن «حكومته تعمل على النهوض بحجم التبادل التجاري مع هذه القارة». وسجّلت تجارة إيران مع أفريقيا نمواً بنسبة الضعفين خلال السنتين الأوليَين من عمر حكومة رئيسي، بينما يقول المسؤولون الحكوميون إن المرحلة التالية للبلوغ بحجم التجارة 5 مليارات دولار، بدأت الآن. ولذا، رافق رئيسي في هذه الجولة كلّ من وزير الصحة ووزير الجهاد الزراعي ووزير التعاون والعمل والرخاء الاجتماعي ومساعد رئيس الجمهورية للشؤون العلمية والتكنولوجيا وعدد من مساعدي الوزراء ومديري الأجهزة التنفيذية، ما يشير إلى أن الزيارة غلب عليها الطابع الاقتصادي والعلمي.
بدأ رئيسي جولته الأفريقية، يوم الأربعاء، من كينيا الواقعة شرق القارة


وبدأ رئيسي جولته الأفريقية، يوم الأربعاء، من كينيا الواقعة شرق القارة، حيث التقى نظيره الكيني ويليام ساموئي روتو في نيروبي، وشهد توقيع 5 وثائق للتعاون في مجالات الاتصالات والمناجم والثروة السمكية والسياحة والزراعة. وأعلن الرئيس الإيراني أن بلاده تستهدف زيادة التجارة مع كينيا بـ 10 أمثال، فيما قال روتو إن بلاده ترحّب برجال الأعمال والمستثمرين الإيرانيين. كما تفقّد رئيسي، خلال الزيارة، «بيت الحداثة والتكنولوجيا الإيراني»، والذي تُعرض فيه منتجات أكثر من 35 شركة إيرانية في مجالات الأدوية والزراعة والبناء والتشييد، بينما لفت الأنظارَ تدشين طائرتَين إيرانيتين من دون طيار من طراز «بليكان» و«دُرنا» تُستخدمان لأغراض الزراعة وتخطيط الخرائط، وهو ما حمل بعض وسائل الإعلام على الحديث عن «إيجاد موطئ قدم للمُسيّرات الإيرانية في أفريقيا». كذلك، شارك رئيسي في اجتماع مع رجال الأعمال الإيرانيين والكينيين.
ومن كينيا، انتقل الرئيس الإيراني إلى جارتها الغربية أوغندا، والتقى رئيسها يوفوري موسوني، كما شهد توقيع 4 وثائق للتعاون تتضمّن الإعفاء من إصدار تأشيرات الدخول، والتعاون الزراعي، وتشكيل لجنة مشتركة دائمة. وتخلّل الزيارةَ، أيضاً، إطلاق أعمال «الحقل الزراعي العابر للحدود الإيرانية»، وافتتاح «مكتب الحداثة والتكنولوجيا الإيراني»، والذي يستهدف إيجاد أسواق جديدة للصادرات الإيرانية، وتعريف الأسواق الأفريقية بمنتجات الشركات الإيرانية القائمة على المعرفة، وكذلك التمهيد لتطوير التعاون المشترك، ولا سيما في منطقة شرق أفريقيا.
وشكّلت زيمبابوي المحطّة الثالثة والأخيرة لرئيسي، الذي التقى هناك، وتحديداً في هراري، نظيره الزيمبابوي، إمرسون منانغوغا. وفي أعقاب إعلان تشكيل اللجنة المشتركة بين البلدين، تمّ التوقيع على 12 مذكرة تفاهم في مختلف الميادين، بما فيها النفط والطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتكنولوجيا المعلومات والزراعة والثروة السمكية والمواد الغذائية والأدوية، وكذلك إنتاج وتوزيع المستلزمات الطبية. وقال رئيسي في هراري «إننا نعتزم التعامل مع جميع البلدان، وإن هذا التعامل لا يقتصر على عدّة دول أوروبية»، مضيفاً إن «مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران وزيمبابوي ليس بالمقبول»، فيما دعا منانغوغا إيران إلى الاستثمار في قطاع المناجم في بلاده.
بالنتيجة، يبدو أنه في خضمّ التنافس المحموم بين القوى الكبرى في العالم - وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين - على مساحات النفوذ في القارة الأفريقية، وبالتوازي مع استمرار دول الإقليم، بما فيها السعودية وقطر والإمارات وتركيا وكذلك الكيان الصهيوني في إقامة علاقات اقتصادية مع الدول الأفريقية وتنميتها باطّراد، تسعى إيران، بدورها، جاهدة للتعويض عن تخلّفها في الماضي في هذا المجال، من أجل إيجاد موطئ قدم لها في المعادلات الأفريقية.