دفعت ممارسات الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة بأكثر المراقبين تأييداً لإسرائيل إلى التحذير، بشكل متكرّر أخيراً، من أن المسار الذي يتّبعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يهدّد ليس فقط بتقويض العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، إنّما بالإضرار بالمصالح الأميركية الحيوية في الشرق الأوسط، والمطالبة بتدخّل أميركي فوري لوقف «الانحراف» الإسرائيلي. وإذ دعا البعض منهم إلى «معاقبة» إسرائيل وقطع المساعدات عنها، فقد حثّ البعض الآخر الإدارة الأميركية على اتّخاذ خطوات سريعة تجنّباً لعدد من «السيناريوات المفتوحة» التي قد تواجه الكيان، والتي تبدأ من الحرب الأهلية، وصولاً إلى «الانهيار» الداخلي الشامل.
«جسر» أميركي
في مقال رأي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، اعتبر الكاتب الأميركي، توماس فريدمان، أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وحدها، قادرة على حماية إسرائيل من الانهيار، محذّراً من أن الانهيار سيكون، هذه المرّة، من «الداخل» لا الخارج. ورأى فريدمان أن على بايدن ألّا يتعب نفسه بمحاولة إقناع نتنياهو بعدم المضيّ قُدُماً في خططه حول «الإصلاح القضائي»، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الإلحاح، على غرار تحذير أكثر من ألف و100 طيّار وفنّي في سلاح الجو الإسرائيلي من أنهم لن يطيروا «من أجل الديكتاتورية»، وتوقيع العشرات من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين خطاباً يطلبون فيه من نتنياهو التوقّف، وكذلك تحذير «منتدى الأعمال الأعلى في إسرائيل» من «عواقب مدمّرة لا رجعة فيها على الاقتصاد الإسرائيلي»، والمخاوف من احتمال أن تؤدّي هذه التعديلات في النهاية إلى كسر الوحدة في قاعدة الجيش، لن يلقى آذاناً صاغية لدى نتنياهو، الذي سيمضي قُدُماً في خططه.
وعليه، دعا فريدمان بايدن إلى الذهاب أبعد ممّا تَقدّم، وإنشاء «جسر» ممّا سمّاها «الحقائق الصلبة» بين واشنطن وتل أبيب، موضحاً أن على وزراء الخارجية والدفاع والخزانة والتجارة والزراعة والعدل، والممثل التجاري للولايات المتحدة، ورئيس «وكالة المخابرات المركزية»، الاتصال بنظرائهم الإسرائيليين فوراً، وإبلاغهم أنّه في حال استمرّ نتنياهو في تمزيق المجتمع الإسرائيلي وجيشه على هذا النحو، فإن ذلك «لن يقوّض القيم المشتركة بين بلدينا فحسب، بل سيلحق ضرراً خطيراً بمصالحنا الاستراتيجية في الشرق الأوسط»، آملاً ألّا يكون الأوان «قد فات» لمنع حدوث تلك الأضرار.

مشروعا تفكيك
كذلك، نبّه كاتب المقال إلى أن على صنّاع السياسة الأميركيين أن يعوا أن لدى هذه الحكومة المتطرّفة مشروعَي تفكيك أساسيَين: يتمثّل أولهما في تفكيك سلطة المحكمة العليا، كي لا تكون قادرة على «كبح جماح» أجندة الحكومة المتطرّفة؛ وثانيهما، تفكيك مشروع أوسلو «وخريطة الطريق نحو حلّ الدولتين»، والإبقاء على الوجود «الأحادي» لإسرائيل، مشيراً إلى أن مثل هذه الخطط التي تهدف إلى ضمّ الضفة الغربية، يمكن أن تزعزع استقرار الأردن بسهولة، من خلال نزوح الفلسطينيين إلى هناك، وتغيير «توازن المملكة الديموغرافي الهشّ»، وبالتالي تهدّد المصالح الأميركية والأمنية في هذا البلد. أضف إلى ذلك، أن الإدارة الأميركية الحالية هي الآن «أمام قرار صعب»، يتمثّل في ما إذا كانت ستلبّي طلبات السعودية بالحصول على ضمان أمني رسمي، من أجل برنامج نووي مدني تشرف عليه الولايات المتحدة، وللوصول إلى بعض الأسلحة الأميركية الأكثر تقدّماً، -ما سيجعلها تقلّل من تعاونها مع الصين-، على أن تقوم المملكة، في المقابل، بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، والمشروط طبعاً بتقديم إسرائيل بعض التنازلات للفلسطينيين.
فريدمان ليس أوّل من أتى على ذكر المساعدات الأميركية الكبيرة التي تتلقّاها إسرائيل باستمرار


إعادة تقييم العلاقات
وفي تقرير منفصل هذا الشهر، لفت الكاتب نفسه، الذي بدا متفاجئاً بآلية تعامل بعض أعضاء حكومة نتنياهو المتطرّفين مع واشنطن «رغم المساعدات العسكرية الهائلة التي تتلقّاها»، إلى أن الديبلوماسيين الأميركيين الذين تعاملوا لفترة طويلة مع نتنياهو، الذي «يتمتّع بموهبة سياسية وذكاء كبير»، لا يصدّقون أنه يقبل بأن «يقوده» أشخاص من مثل وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، وأن يُعرِّض علاقات إسرائيل مع أميركا والمستثمرين العالميين للخطر، ويضع «إسرائيل أمام احتمال اندلاع حرب أهلية»، فقط لكي يبقى في السلطة مع مجموعة من المتطرفين القوميين.
وقُبيل زيارة الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، إلى واشنطن للقاء بايدن، بدا فريدمان واثقاً من أن الرئيس الأميركي سيترك الرئيس الإسرائيلي مع رسالة، «نابعة عن حزن لا عن غضب»، مفادها أنه «عندما تكبر الهوة بين مصالح وقيم حكومة أميركية وحكومة إسرائيلية، فإن إعادة تقييم العلاقة بين البلدين تصبح أمراً لا مفرّ منه». وتابع الكاتب أن إعادة التقييم تلك ستكون بمثابة «قسوة نابعة من حب»، ولكنها ضرورية لمنع إسرائيل من الخروج عن «السكة» نهائياً، مشيراً إلى أن استعداد بايدن للوقوف في وجه نتنياهو قبل الانتخابات الأميركية لعام 2024، هو مؤشّر إلى أنه يرى أنه يحظى بدعم في هذه المسألة، «ليس فقط من معظم الأميركيين، ولكن معظم اليهود الأميركيين ومعظم اليهود الإسرائيليين حتى».

وقف المساعدات
على أن فريدمان ليس أوّل من أتى على ذكر المساعدات الأميركية الكبيرة التي تتلقّاها إسرائيل باستمرار. ففي مقال رأي نشرته الصحيفة الأميركية نفسها، هذا الشهر، تطرّق الكاتب الأميركي، نيكولاس كريستوف، إلى ما سمّاه السؤال «المحظور»، حول ما إذا كان الوقت قد حان لـ«التخّلص التدريجي من المساعدات التي تقدّمها الولايات المتحدة لإسرائيل». وتساءل كذلك ما إذا كان من المنطقي حقاً أن تقدّم الولايات المتحدة «مبلغاً هائلاً قدره 3.8 مليارات دولار سنوياً لدولة غنية أخرى»، معتبراً أن هذه المساعدات تجعل العلاقات بين الدولتين «غير صحية». واللافت أيضاً، أن السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، مارتيك إنديك، فضّل، في حديث إلى الصحيفة ذُكر في المقال عينه، إبرام «اتفاقيات أمنية جديدة»، معتبراً أن الوقت حان لإجراء نقاش حول «إنهاء المساعدات»، قائلاً: «إسرائيل تستطيع تحمّل تكاليفها، وستكون العلاقة أكثر صحّية إذا وقفت إسرائيل على قدميها».

نتنياهو: «التهديد الأكبر»
في السياق نفسه، وصف تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نتنياهو بـ«التهديد الأكبر» لأمن إسرائيل، إذ يضرب عرض الحائط بفكرة أن سياساته تقوّض «الديموقراطية الإسرائيلية»، وتخاطر بالإضرار بعلاقة إسرائيل الوثيقة مع الولايات المتحدة، وربما تؤدي إلى اندلاع انتفاضة عنيفة أخرى في الضفة الغربية. ويشبّه كاتب المقال نتنياهو بالرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب، باعتبار أنه ما من شيء يهمّه سوى «التمسك بالسلطة»، وأن سياساته الراديكالية هي نتيجة الإبقاء على تحالف الأحزاب اليمينية المتطرّفة في السلطة.
وفي إشارة إلى مدى تجاهل نتنياهو لنصائح بايدن، أشارت «واشنطن بوست» إلى أن الخلاف المستمرّ بين الجانبين كان واضحاً في اتصال بايدن - نتيناهو الأخير؛ ففيما أكد البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي حذر نتنياهو من اتخاذ «مزيد من الإجراءات الأحادية الجانب» لتوسيع مستوطنات الضفة الغربية، وشدد على «الحاجة إلى التوصل إلى أوسع توافق ممكن»، قبل المضيّ قدماً في الإصلاحات القضائية، لفتت صحيفة «هآرتس» العبرية إلى أن الحديث الإسرائيلي «ركز على الموضوعات المفضلة لدى نتنياهو: أي إيران، والمعركة ضد الإرهاب».