تعمل الولايات المتحدة على الاستفادة من التحسُّن النسبي في العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية، للدفع في اتّجاه تعاون دفاعي وثيق بين البلدَين في مواجهة تحالف الصين وكوريا الشمالية. وتسعى إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى مأسسة هذا التعاون من خلال إصدار وثيقة مشتركة برعايتها خلال قمّة ثلاثية ستُعقد يوم الـ 18 من آب الجاري، تزامناً مع الذكرى الـ 70 لاتفاق الهدنة الذي أوقف الأعمال العسكرية في شبه الجزيرة الكورية، في تموز 1953 - يحتفل بها الكوريون الشماليون كيوم نصر وطني -، وذلك بحضور كلٍّ من رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول. وعلى رغم أن الزعيمَين شاركا معاً في اجتماعات دولية مختلفة، إلّا أنّ قمتهما المرتقبة ستكون أول لقاء مباشر يجمع الجانبَين. وبحسب مصادر ديبلوماسية مطّلعة على التحضيرات للقمّة التي ستُعقد في المنتجع الرئاسي الأميركي الصيفي، في كامب ديفيد، فإن الصيغة النهائية للوثيقة الثلاثية المزمع صدورها، لا تزال موضع تفاوض مع مسؤولي البلدَين الخاضعَين لحماية واشنطن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية (1945)، وتُرابط على أراضيهما قوات أميركية.ولطوكيو وسيول تاريخ من العلاقات الثنائية المضطربة، على خلفية ممارسات الجيش الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استُعبد الكوريون الذكور في معسكرات للعمل القسري، واستُرقت النساء الكوريات في عبودية جنسية للترفيه عن الجنود اليابانيين. لكن أولويات البيت الأبيض لتعزيز الردع ضد كوريا الشمالية والصين في منطقة المحيط الهادئ قد تجبر الجانبَين على تجاوز خلافاتهما التاريخية تلك. وكانت واشنطن قد فرضت على طوكيو وسيول، في آذار الماضي، تفعيل اتفاق لتبادل المعلومات الاستخبارية بينهما، ظلَّ أسير الأدراج لمدّة أربع سنوات. كما أجرت القوات البحرية الأميركية والكورية الجنوبية واليابانية تدريبات مشتركة للدفاع الصاروخي في مناسبات عدّة هذا العام، لمواجهة التطوّر التكنولوجي المتسارع في صناعة الصواريخ الباليستية لدى كوريا الشمالية، وتمدُّد قدرات البحرية الصينية في الإقليم.
وتريد الولايات المتحدة من اليابان وكوريا الجنوبية، الاتفاق على رفع مستوى التشاور والتنسيق بينهما في حال وقوع أعمال (عدوانية) تستهدف أيّاً منهما، والتعامل مع التهديدَين الكوري الشمالي والصيني بوصفهما كتلة واحدة، وبالتالي تعزيز منهجية الردع المشترك واشنطن - طوكيو - سيول ضدّهما، وكذلك ضمان تعاونهما لدعم النظام الأوكراني ضدّ روسيا. ووفق خبراء، فإن الأطراف الثلاثة تعمل على إنشاء خطّ ساخن ثلاثي على مستوى القادة، بالإضافة إلى سلسلة إجراءات أخرى سيُعلن عنها خلال قمّة كامب ديفيد، بما في ذلك تكثيف أنشطة التدريب والمناورات الثلاثية، والتعاون في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي، وأمن الإمدادات الاقتصادية، مع تمدُّد هيمنة الصين على سلاسل التزويد لمواد استراتيجية الطابع، وكذلك الأمن السيبراني. وممّا لا شكّ فيه أنّ جهات عديدة داخل اليابان وكوريا الجنوبية لن تكون مرتاحة لهذا التوجّه الذي من شأنه تجاهُل التوتّرات التاريخية التي لم تُحلّ بين شعبَي البلدَين. وفي هذا الإطار، نقلت صحف صادرة في طوكيو عن مسؤول ياباني، قوله إن «التحالف الدفاعي بين الولايات المتحدة واليابان لن يُترجم اتفاقاً ثلاثيّاً»، لكن «الحكومة اليابانية ستكشف سبلاً جديدة لتعزيز التعاون الأمني مع سيول لمواجهة التهديدات النووية والصاروخية من كوريا الشمالية والصين في إطار سياسة متأنّية الخطوات».
لطوكيو وسيول تاريخ من العلاقات الثنائية المضطربة، على خلفية ممارسات الجيش الياباني خلال الحرب العالمية الثانية


وفيما لم تُصدر سيول موقفاً رسمياً معلناً بعد، نُقل رفض السفير الأميركي لدى اليابان، رام إيمانويل، التعليق على طبيعة المفاوضات الجارية تحضيراً للقمّة، لكنه قال، عبر حسابه في موقع «تويتر»، إن «واشنطن وحلفاءها الإقليميين يتّخذون خطوات مهمّة لمواجهة عدوانيّة الصين»، معتبراً أن «شراكة ثلاثية واشنطن - طوكيو - سيول ستكون بمثابة تحوّل استراتيجي مهمّ في هذا الإطار»، و»ستصنع التاريخ».
من جهته، استبق رئيس الوزراء الياباني القمّة، بالقول إن لديه آمالاً كبيرة في استكشاف المزيد من فضاءات تعزيز التعاون الاستراتيجي الثلاثي مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في قمّة كامب ديفيد لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية والحفاظ على قواعد النظام العالمي القائم، لكنّه امتنع عن مناقشة التفاصيل، مشيراً إلى ضرورة «تجنُّب الحُكم المسبق على النتائج المحدّدة المتوقّعة من القمّة». ويبدو أن كيشيدا الحريص على تعميق تبعيّة اليابان للولايات المتحدة كضمانة أمنية - في مقابل تعملق الصين والقدرات الهجوميّة المتزايدة لكوريا الشمالية - متحمّس لملاقاة واشنطن في كل استراتيجياتها، بما في ذلك تجاوز العقبات السيكولوجية والسياسية لتحسين العلاقات الثنائيّة مع سيول، وتبنّي مقاربة عسكرية مغايرة لمبدأ الدفاع عن النفس الذي فرضه المحتلّ الأميركي على الجيش الياباني بعد استسلام طوكيو، في عام 1945. وأصدرت حكومته، في كانون الأول من العام الماضي، استراتيجيات جديدة للأمن والدفاع تضمّنت تزويد الجيش الياباني بقدرات هجومية ضخمة، ومضاعفة الإنفاق العسكري في الموازنة العامّة. وهناك مباحثات تجرى بالفعل لنشر معدّات نووية في القواعد العسكريّة الأميركية في اليابان، كما أن مشاورات موازية تجرى مع الكوريين الجنوبيين.
ومن شأن التقارب المحتمل بين طوكيو وسيول أن يثير حساسيّة بيونغ يانغ وبكين، العاصمتَين النوويّتَين. واحتفلت كوريا الشمالية بسبعينيّة «يوم النصر»، في نهاية تموز الماضي، بعرض عسكري ومدني هو الأضخم في تاريخها، عرضت خلاله أحدث الدبابات والأنظمة الصاروخية المصنّعة محلّياً كما وحدات من نخبة جيش الشعب الكوري. ويوافق «يوم النصر» في بيونغ يانغ مناسبة اتفاق الهدنة الكورية، التي أوقفت حرباً طاحنة بين «قوى التحرّر الوطني الكوري» المدعومة من الاتحاد السوفياتي والصين من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، استمرّت على مدى ثلاث سنوات بداية عقد الخمسينيّات من القرن الماضي، وأودت بحياة ملايين المدنيين، وتمزّقت بسببها وحدة الأمّة الكوريّة. والهدنة من الناحية الفنية ليست اتفاق سلام، إذ لا تزال الدولتان الموجودتان في شبه الجزيرة الكورية إلى الشمال والجنوب من خط العرض 38 رسمياً في حالة حرب، على رغم تحرّرهما من الاحتلال الياباني الذي استمرّ بين عامَي 1910 و1945. واتّخذت كوريا الشمالية بعد التوصّل إلى الهدنة منهجاً اشتراكيّاً وبنت اقتصاداً مركزيّاً، فيما خضعت كوريا الجنوبية للهيمنة الأميركية والتحقت بالنظام الرأسمالي الغربي.