تفادى مسؤولون أميركيون التعليق على سبب مصادقة الولايات المتحدة على إعلان لم يتضمّن نقداً مباشراً لموسكو
ولعلّ جزءاً من هذه الحفاوة الأميركية، مردّه الإعلان، على هامش قمّة «G20»، عن توقيع مذكّرة تفاهم لبناء ممرّ للسكك الحديدية والشحن البحري يبدأ من شبه القارة الهندية، مروراً بالشرق الأوسط، وصولاً إلى أوروبا، كمنافس جدّي لمشروع «الحزام والطريق» الصيني (الذي تتحفّظ عليه نيودلهي لأسباب اقتصادية وسياسية وأمنية عدّة، أبرزها مروره بالجانب الباكستاني من إقليم كشمير المتنازع عليه مع إسلام آباد)، وذلك بحضور الرئيس الأميركي وزعماء دول شرق أوسطية عدّة مثل السعودية، إلى جانب مشاركة رئيس وزراء الدولة المضيفة، ناريندرا مودي، ومعه قادة دول أوروبية كفرنسا وألمانيا. وفور الإعلان عن المشروع، الذي يندرج في إطار ما يسمّى «المبادرة العالمية للاستثمار والبنى التحتية»، والذي يحمل اسم «الممرّ الاقتصادي الواصل ما بين الهند - أوروبا عبر الشرق الأوسط»، توقّف مراقبون عند مصافحة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وبايدن، لطرح تساؤلات حول مدى عمق خيارات الرياض المرتبطة بـ«التوجّه شرقاً»، من بوابة «اتفاق بكين»، ومستجدّات وساطة واشنطن للتطبيع بين السعوديين والإسرائيليين.
على خطّ موازٍ، وفيما جهد قادة غربيون في تفسير النتائج «الطيّبة» للحدث، كما وصّفها رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، معتبرين، وفق ما جاء على لسان المستشار الألماني، أولاف شولتس، أن إعلان «G20» انطوى على «دعم لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها»، تفادى مسؤولون أميركيون التعليق على سبب مصادقة الولايات المتحدة على إعلان لم يتضمّن نقداً مباشراً لموسكو. لكن محلّلين أرجعوا ذلك إلى أن بايدن، على غرار أسلافه من الرؤساء، فضلاً عمّا يُعرف عنه من نهج شخصي في تكوين علاقات سياسية مع القادة الآخرين، لم يكن راغباً في إثارة حفيظة حليفته الهند، وهو أمضى معظم وقته خلال القمّة في محاولة التودّد إلى الزعيم الهندي، وعدم إبداء أيّ ردود فعل سلبية حيال الدور القيادي لديبلوماسية نيودلهي في فعاليات المنتدى الدولي. وكمؤشّر إلى مدى «تواضع» الولايات المتحدة غير المسبوق تجاه الحليف الآسيوي، الذي سبق أن ازدراه علناً الرئيس السابق، دونالد ترامب، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن بايدن، على غير العادة، أبدى حرصه بشكل ملحوظ على تجنّب إثارة موضوعات من قبيل ما دأب دائماً على وصفه بـ«الصراع بين الأنظمة الديموقراطية والسلطوية»، أو محاولة إسقاطه على مجريات القمّة، وإنْ تعمّد التقاط صور تذكارية خلالها مع قادة العديد من الدول «الديموقراطية» (وفق التصنيف الغربي)، بمن فيهم رئيسا البرازيل وجنوب أفريقيا، بقصد الإيحاء بخلاف ذلك.
من جهته، يوضح الكاتب والديبلوماسي المخضرم في شؤون السياسة الخارجية، والرئيس السابق لـ«مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي، ريتشارد هاس، أن البيانات الختامية المشتركة الصادرة عن قمم «مجموعة العشرين»، إنّما «تعكس غالباً الخصائص (السياسية) للبلد المضيف»، لافتاً إلى أن الهند، بصفتها الدولة المضيفة للقمّة لهذا العام، «مصمّمة على عدم استعداء الصين أو روسيا». ويَعتبر هاس أن منبر «G20» يُعدّ مثالاً نموذجياً على «الديبلوماسية المتدرّجة»، أكثر من كونه منتدى يمكن من خلاله التوصّل إلى حلّ للصراع الدائر في أوكرانيا. ومع ذلك، أثارت ما كشفته مصادر صحافية عن مغادرة بايدن القمّة قبل الموعد المحدّد له، التكهّنات حول جديّة ما تشيعه واشنطن في شأن رضاها عن إعلان نيودلهي.