طهران | على الرغم من أن الاجتماع الدوري لمجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، الذي اختتم أعماله أواخر الأسبوع الماضي في فيينا، خلا من أيّ قرارات ضدّ إيران، إلا أن إصدار دول غربية بيانات ضدّ الأخيرة، كان كافياً بالنسبة إلى طهران لاتّخاذ إجراء يقضي بسحب اعتماد عدّة خبراء تابعين لـ«الوكالة» في مجال «أنشطة التحقق» من تطبيق اتفاقات الضمانات لـ«معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية»، في خطوة من شأنها أن تفضي إلى إرباك العلاقات الهشّة أصلاً بين إيران و«الوكالة»، ووضعها أمام تحدٍّ جديد. الخطوة الإيرانية هذه ندّد بها المدير العام لـ«الطاقة الذرية»، رافاييل غروسي، في ختام الاجتماع الدوري، السبت الماضي، معتبراً أنها مناقضة للتعاون بين «الوكالة»، التي يديرها، وطهران، وأنها تؤثر على مسار التنفيذ الاعتيادي لـ«أنشطة التحقق» التي تجريها الهيئة في إيران. وبعد ساعات من تصريحات غروسي، عزا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، سحب اعتماد عدد من مفتشي «الوكالة» إلى محاولات أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، الأعضاء في «خطة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي)، «استغلال» أجواء مجلس الحكام لتحقيق «أغراضها السياسية». وإذ دافع كنعاني عن قرار طهران، فقد أوضح أنه اتُّخِذ بناءً على «حقوق السيادة المصرّح بها في المادة 9 من اتفاقات الضمانات بين إيران والوكالة». وقال إن ايران لديها «تعامل إيجابي وبنّاء ومتواصل» مع الوكالة، فيما اتّهم الدول الأربع بـ«طرح المطالب المبالغ فيها ونسف أجواء التعاون». وكانت الدول الأربع قد قدّمت بياناً غير ملزم ضدّ إيران إلى مجلس محافظي «الوكالة»، تضمّن مواقف حادّة حول الملف النووي الإيراني، وتعبيراً عن قلقها من تطوره إلى عتبة تصنيع السلاح النووي. وصدر بيان الدول الغربية عقب التقرير الأخير لغروسي، والذي أشار فيه إلى زيادة مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، مع أن سرعة تخزينه قد تناقصت. ومع ذلك، انتقد التقرير عدم تطبيق الاتفاقات الثنائية بين إيران و«الوكالة الدولية»، معلناً أن الأخيرة ليست الآن في وضع تستطيع فيه تأكيد سلمية كلّ أبعاد البرنامج النووي الإيراني. ويعيد هذا التوتّر إلى الأذهان صدور ثلاثة قرارات مماثلة - لكن ملزمة - ضدّ إيران خلال الاجتماعات الدورية السابقة لمجلس محافظي «الذرية». وهي قرارات أعقبها التوصل إلى خريطة طريق لتسوية الخلافات العالقة بين الجانبين، وذلك قبل انعقاد الاجتماع الدوري في شهر آذار، وإبان زيارة غروسي لطهران. وحدّد الاتفاق المذكور إطاراً لفئتين من الخلافات: الفئة الأولى، هي الخلافات المتصلة باتفاقات الضمانات وأهمها تلك المتعلقة بأنشطة إيران في ثلاثة مواقع غير معلنة؛ والثانية، هي الخلافات المتعلقة بقضايا ما بعد اتفاقات الضمانات، أي الإجراءات التي التزمت بها إيران بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015، ثم اعتبرت نفسها في حِلّ من تنفيذها بعد الانسحاب الأميركي من الصفقة، بما يشمل تخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق الـ 3.67 في المئة، وأيضاً إزالة كاميرات المراقبة الخاصة بما بعد اتفاقات الضمانات.
برغم هذه الخطوات المتضادّة بين إيران والغرب، يبدو أن الطرفين يواظبان - حتى الآن - على أن لا يزيد التصعيد عن مستوى بعينه


وعلى الرغم من مضيّ ستة أشهر على التفاهم المشار إليه، يبدو أن عملية تنفيذه تسير ببطء، إذ إن ملف موقعين من المواقع الثلاثة غير المعلنة لا يزال مفتوحاً، فيما لم يُستكمل تركيب كاميرات المراقبة في جميع المراكز التي تصبو إليها «الوكالة». كذلك، يبدو أن التنفيذ الكامل للاتفاق بين الأخيرة وإيران، بات يخضع لاعتبارات سياسية، بحيث إن طهران تريد أن تترافق زيادة التزاماتها النووية، مع التزام محدّد يُفضي إلى خفض العقوبات عنها، وفي الوقت ذاته، إلى منع إحالة ملفّها لدى «الدولية للطاقة الذرية» إلى مجلس الأمن الدولي. على أن مراقبين يرون أن البيان الأخير للدول الغربية لم يكن السبب الوحيد في إقدام ايران على سحب اعتماد بعض مفتشي «الوكالة»، بل إن فرض أميركا والدول الأوروبية عقوبات جديدة عليها، في منتصف الشهر الجاري، وبالتحديد في الذكرى السنوية للاحتجاجات التي شهدتها البلاد في العام الماضي، دفع بالسلطات الإيرانية إلى اتخاذ إجراء متبادل. كما كانت الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي قد أعلنت، قبل يوم واحد من ذلك، أنها ستبقي على العقوبات المتعلقة بالصواريخ الباليستية والانتشار النووي على إيران، والتي كان من المفترض أن ينقضي أجلها في تشرين الأول المقبل بموجب صفقة 2015.
وبرغم هذه الخطوات المتضادة بين إيران والغرب، يبدو أن الطرفين يواظبان - حتى الآن - على أن لا يزيد التصعيد عن مستوى بعينه. ومن هنا، يمثل الاتفاق الأخير لتبادل السجناء بين إيران وأميركا، إلى جانب بعض الانفراجات في مجال الإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة لدى البنوك الأجنبية، وكذلك تسهيل مبيعات النفط الإيراني، وعدم استصدار قرار عن الاجتماع الأخير لـ«مجلس المحافظين»، مؤشرات على محاولات إدارة الخلافات. وفي هذا السیاق، تمّ تنفيذ صفقة تبادل السجناء بین طهران وواشنطن أمس الاثنین (تبادل 5 سجناء إيرانيين بـ 5 سجناء أميركيين). وفي الوقت نفسه، تحويل 6 مليارات دولار من أموال إيران المفرج عنها من سويسرا إلى قطر، بحسب السلطات القطرية. وعلی الرغم من هذه الانفراجات، ثمّة توقعات بأن يشهد الاجتماع الدوري المقبل لـ«مجلس المحافظين»، المقرر في كانون الأول المقبل، اتخاذ مواقف مختلفة وحادة ضد إيران، إن لم يحدث تطور جديد في سياق المحادثات غير المباشرة بين الأخيرة وأميركا، فضلاً عن معالجة القضايا الخلافية بين طهران و«الدولية للطاقة الذرية».