رغم أنّ الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، اعتبر، بعد استخدام واشنطن منفردةً «الفيتو» ضد مشروع قرار الوقف لإطلاق النار في غزة، في مجلس الأمن، أن «عالماً عادلاً ممكن، ولكن ليس مع الولايات المتحدة»، إلّا أنه تلقّى، يوم الخميس الماضي، اتصالاً هاتفيّاً من نظيره الأميركي، جو بايدن، تناول عدداً من الموضوعات، في ما اعتبره الزعيم التركي كسْراً لمحاولات استبعاد بلاده عن كلّ ما هو متعلّق بحرب غزة. يأتي ذلك فيما بات جليّاً أنّ أنقرة اتّخذت، منذ بداية الحرب، موقفاً يأخذ في الحسبان أولوية استمرار التطبيع في العلاقات مع الغرب وإسرائيل، وأيضاً مع دول عربية أساسية، من مثل السعودية والإمارات، فضلاً عن التحالف الإستراتيجي مع آذربيجان. وفي المقابل، كانت العلاقات التركية مع الأطراف المعادية للولايات ودولة الاحتلال، تشهد توتّراً، خصوصاً مع إيران، ما استدعى إلغاء زيارة كانت مقرّرة لرئيسها، إبراهيم رئيسي، إلى أنقرة. أمّا العلاقة مع حركة «حماس»، فَلَم تتوقّف نظريّاً، لكن تركيا لم تترجم هذه «الأخوّة» عمليّاً ولا في أيّ مجال.
ولعلّ المكالمة الهاتفية، وكوْن بايدن هو الطرف المبادر إليها، يحملان على الاعتقاد بأن موضوع غزة لم يكن في أساس الاتصال، إذ لا تزال واشنطن على موقفها الذي لا يرى ضرورة في هذه المرحلة لوقف العدوان، وبالتالي لا أهمية لأيّ دور تركي مساعد في ترتيبات ما بعد الحرب، فيما عملية تبادل الأسرى لُزّمت أساساً لقطر ونسبيّاً لمصر. وأكثر من ذلك، كان بايدن «وقحاً» إلى درجة أنْ قال لإردوغان، إن اسرائيل تمارس «حقّها في الدفاع عن نفسها»، فأجابه الرئيس التركي، مطالباً الولايات المتحدة بوقف دعمها غير المحدود لدولة الاحتلال، ومكرّراً الدعوة إلى نظام الضمانة في غزة من قِبَل دول متعدّدة، فضلاً عن حلّ الدولتين. على أن أولوية بايدن، خلال المكالمة، كانت واضحة لجهة ضرورة إتمام تركيا موافقتها على عضوية السويد في «حلف شمال الأطلسي». ومع أن بيان الرئاسة التركية حاول الإشارة فقط إلى أن الرئيسَين تبادلا الحديث حول المسائل الدولية ومنها مسألة السويد، فإن ذلك فعلياً كان هو «بيت القصيد». ويشار، هنا، إلى أن بداية المسار الفعلي لانضمام استوكهولم إلى «الناتو»، كان في «قمّة فيلنيوس» (12 تموز)، حين أعطى إردوغان وعداً بالموافقة على عضويتها.
ورغم الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل، فإن إردوغان أحال طلب عضوية السويد إلى البرلمان التركي في 23 تشرين الأول، أي بعد أسبوعَين على بداية الحرب في غزة، في ما اعتُبر بادرةً إيجابية تركية تجاه واشنطن. وفي الـ28 من تشرين الثاني الماضي، أبلغ وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، بأن البرلمان التركي سيوافق على الطلب، وهو ما نُظر إليه على أنه «مسّ بسيادة البرلمان التركي». ومع ذلك، لم يبتّ البرلمان التركي، إلى الآن، بالطلب، ما استدعى تدخُّلاً من أمين عام الحلف، ينس ستولتنبرغ، والطلب من إردوغان تسريع العملية التي تأخّرت كثيراً. ومن المعروف أن لعبة التأجيل التركية مرتبطة مباشرة برغبة أنقرة في مقايضة الموافقة على العضوية، بشراء طائرات مقاتلة من طراز «إف-16». وإلى التأجيل عبر البرلمان، فإن أنقرة عملت على الضغط على أميركا عبر إعلان وزير الدفاع التركي، ياشار غولر، أنّ بلاده قد تستعيض عن مقاتلات «إف-16» بشراء مقاتلات «تايفون» الألمانية، وهي تفي بالحاجة التركية، بل هي نموذج بديل مثالي.
تريد تركيا أن تماطل في الموافقة على عضوية السويد، حتى لا تَظهر على أنها داعمة للحلف الغربي المؤيّد لإسرائيل


ويكتب سادات إرغين، في صحيفة «ميللييات»، أن واشنطن ستستضيف مطلع الصيف المقبل القمّة الخاصة بقادة دول «الأطلسي»، فيما لا يحبّذ بايدن أن تشارك السويد بصفتها «مرشحة» للانضمام، بل عضواً فعليّاً في الحلف. وإلى حينه، تأمل تركيا، وقبل أن تطأ قدما إردوغان الأراضي الأميركية، أن يكون مسار موافقة الكونغرس على بيع الطائرات واضحاً. وبالتالي، يكون البتّ بالأمرَين قد انتهى: العضوية والطائرات. وفي حال تمّ كل ذلك قبل القمّة، لن يكون مفاجئاً أن يَعقد إردوغان وبايدن لقاءً ثنائياً على هامشها، علماً أنهما لم يلتقيا أبداً ثنائياً في زيارة خاصّة بهما سواء في أنقرة أو واشنطن.
أيضاً، فإن عضوية السويد في «الأطلسي» تمثّل محاولة تركية للضغط على أميركا لوقف تعاونها وشراكتها مع القوات الكردية في سوريا، حيث اتهم وزير الدفاع، غولر، الأميركيين، بأنهم يواصلون تدريب «الإرهابيين» من «قسد» على استخدام الطائرات المسيّرة والهليكوبتر بالقرب من الحسكة ودير الزور، ودعا الولايات المتحدة إلى التخلّي عن محاولاتها «التلاعب بذكائنا»، فيما اعتبر إردوغان الدعم الأميركي للأكراد في سوريا «تهديداً كبيراً جداً» للأمن القومي التركي. وفي الوقت ذاته، تريد تركيا أن تماطل في الموافقة على عضوية السويد في هذه المرحلة بالذات، حتى لا تَظهر على أنها داعمة للحلف الغربي المؤيّد لإسرائيل، في خضمّ العدوان المتواصل على غزة، وفي ظلّ مواصلة العديد من الجمعيات والنواب الأتراك مطالبة إردوغان باتّخاذ إجراءات عملية ضدّ تل أبيب، ومنها عدم الموافقة على انضمام استوكهولم إلى «الناتو».
في المقابل، يقول إرغين إن العلاقات التركية - الروسية تشهد تبادلاً مريحاً للرغبات. فقد أشاد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإردوغان، وقال إنه أحد الزعماء الذين يعملون بكثافة لإحلال السلام في غزة، ويعرض القيام بدور مهمّ، قائلاً: «الله يعطيه الصحة»، فيما تساءل إرغين: «في رأيكم، إلى أيّ طرف تميل تركيا أكثر: الولايات المتحدة أم روسيا؟».