طهران | مع مضيّ الأسبوع الأول على إجراء انتخابات الدورة الـ12 لمجلس الشورى الإسلامي، والسادسة لمجلس خبراء القيادة، لا تزال النقاشات الدائرة حول هذه العملية مستمرّة؛ إذ دعا المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي الخامنئي، الخميس الماضي، الأعضاء الجدد للبرلمان إلى تجنُّب «الكلام المثير للخلافات». وقال: «على منتخبي المجلس النيابي الجديد، التحلّي بالانتباه والحذر من تحويل حلاوة تشكيل المجلس النيابي، إلى مرارة لدى الشعب والمناخ السياسي المتّسم بالحيوية والنشاط في البلاد». وجاءت تصريحات المرشد، في وقت تصاعدت فيه المشاحنات السياسية، ولا سيما داخل المعسكر الأصولي، بعدما اتّضحت نتائج الانتخابات، وتغيّرت تشكيلة القوى الأصولية.وفيما تغيّب المعسكر الإصلاحي عن المنافسة، ولم يتمكّن ذلك «المعتدل» من ملء فراغ الإصلاحيين، أو حثّ الجماهير المتذمّرة على الحضور عند صناديق الاقتراع، فإن التنافس الرئيسي كان قائماً بين أطياف المعسكر الأصولي نفسه. إذ تمكّنت الشريحة الشابة والراديكالية فيه، من الفوز بغالبية الأصوات وتقويض قدرة الجناح القديم والبراغماتي. حتى أن محمد باقر قاليباف، الرئيس الحالي للبرلمان وأبرز وجوه الجناح البراغماتي، والذي فاز في الدورة السابقة بالمركز الأول في دائرة طهران الانتخابية، حلّ هذه المرّة في المركز الرابع، فيما حصل عدد من الوجوه القريبة منه على أصوات متدنيّة، ليصبح الثلاثة الأوائل في طهران، هم: محمود نبويان، وأمير حسين ثابتي، وحميد رسائي، وجلّهم من الوجوه الراديكالية، المعارضة للجناح البراغماتي وقاليباف شخصيّاً، في ما اعتبره كثيرون بمنزلة «انسلاخ» داخل المعسكر الأصولي.
وبعد انتهاء ولاية إدارة حسن روحاني، ومجيء إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، سرى تقدير بأن جميع مكوّنات الحكم في الجمهورية الإسلامية باتت بيد المعسكر الأصولي، إلى حدّ بدأ معه الحديث عن «نظام حكم من لون واحد». لكن مع الوقت، ومع تسرّب التنافس إلى داخل المعسكر الأصولي نفسه، ثارت الشكوك حول هذه الوحدة. وفي ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، يَتوقّع كثيرون أن تتزايد الخلافات والانقسامات داخل هذا التيار، رغم أن وجوهه تشكّل الغالبية في البرلمان.
وعلى مدى الأيام الأخيرة، أثارت تصريحات حميد رسائي، الذي فاز بالمركز الثالث في طهران، جدلاً واسعاً؛ إذ قال موبّخاً قاليباف بطريقة ساخرة: «إن الذي فاز بالمركز الأول في طهران قبل أربع سنوات، تراجعت أصواته في هذه الانتخابات بمقدار الثلثَين. هذا التراجع ينطوي على رسائل»، معتبراً أن رسالة الانتخابات الأخيرة تتمثّل في «المطالبة بإحداث تغيير وتحوّل»، متحدّثاً عن ضرورة «تغيير الهيئة الرئاسية للبرلمان واللجان النيابية والمراكز الرئيسية للبرلمان». وتؤشّر تصريحات رسائي إلى التنافس المحتدم بين ما لا يقلّ عن جناحَين أصوليَّين داخل البرلمان العتيد، وإلى أن أولى مظاهر هذا التنافس ستتبدّى على الأرجح في تركيبة الهيئة الرئاسية.
ولكنّ تصريحات رسائي أثارت ردود فعل، أهمها تلك التي جاءت في صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، والتي انتقدته بحدّة، معتبرةً أنه «يعيش وهم السلطة». وكتبت: «إن حميد رسائي يتصوّر نفسه على أنه تيار أو شيء أبعد وأكثر من كونه نائباً منتخباً، وأخذ يهدّد ويتوعّد لانتخاب رئيس البرلمان من الآن، ليُظهر أنه لا يفكّر في هموم الناس ولا يفهم مطالب قائد الثورة من النواب... وبات قبل كل شيء غارقاً في أوهام السلطة والرئاسة». ويبدو أن ردّ فعل الصحيفة، يُظهر أنه على النقيض من بعض التصوّرات، فإن «الحرس الثوري» لا يدعم بالضرورة التغييرات السياسية الأخيرة داخل المعسكر الأصولي، ولا سيما تقويض موقع الجناح القريب من قاليباف، القيادي السابق في «الحرس». ويبدو في هذا الخضم، أنّ التحذير الأخير الذي أطلقه الخامنئي حول ضرورة تحاشي إطلاق «الكلام المثير للخلافات»، جاء كإشارة إلى تصريحات رسائي والجدل الذي أعقبها، والذي يمكن أن يشغل البرلمان الجديد بقضايا هامشية.
ومن ناحية أخرى، ما زال النقاش حول نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات (41%)، والتي تُعدّ الأدنى على مرّ تاريخ الجمهورية الإسلامية، مستمرّاً. ويعتبر مراقبون، هذه المشاركة المتدنية، مؤشّراً إلى استياء أطياف واسعة من الشعب من الوضع الحالي في البلاد. كما أنّ الجدل ما زال مُتّقداً حيال عدم مشاركة الإصلاحيين في الانتخابات، والذين كانوا يشكّلون دائماً، أحد القطبَين السياسيَّين الرئيسيّين في إيران.