القاهرة | في ظلّ تواتر الأنباء عن رغبة نجل الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، جمال، في خوض سباق الانتخابات الرئاسية المقرّر فتح باب الترشّح لها أواخر العام الجاري، يحتدم الجدل في مصر بشأن إمكانية عودة عائلة مبارك إلى الحياة السياسية. وتلقّى هذا الجدل جرعة تزخيم وازنة أخيراً، من خلال السّجال الذي اندلع عبر موقع «تويتر» بين علاء مبارك، النجل الأكبر للرئيس الأسبق، والمنسق العام لـ«الحوار الوطني»، ضياء رشوان، الذي تساءل حول حقيقة رغبة شقيق الأول، جمال، في الترشّح، ليردّ علاء بمخاطبة رشوان بالقول: «وانت مالك عايز ولا مش عايز أما حشري صحيح. حاجة ما تخصكش. مالك ومال الشعب». وفي وقت تتزايد فيه المؤشّرات إلى إعادة فتح قنوات للتواصل بين آل مبارك وقصر الاتحادية بعد فترة جفاء، وتحسين رموز النظام السابق مواقفهم القانونية وأوضاعهم الاقتصادية بحصول وزير المالية إبان حكم مبارك، يوسف بطرس غالي، على براءة نهائية بعد 12 عاماً من الملاحقات القضائية، وشراء أحمد عز، إمبراطور الحديد، نصيب الحكومة في واحدة من أضخم الشركات وأكثرها ربحيةً في صناعة الحديد، يستمرّ الحديث في شأن أحقّية نجلَي مبارك في خوض السباق الرئاسي. وفي هذا الإطار، يرى البعض أن الحكم النهائي الذي صدر بحقّ مبارك ونجليه بالسجن لثلاث سنوات، في كانون الثاني 2016، في قضية الاستيلاء على المال العام واستخدام أموال الرئاسة في غير المخصّص لها، يمنع علاء وجمال من المشاركة في الانتخابات، على اعتبار أن إحدى المواد المدرجة في قانون «الهيئة الوطنية للانتخابات الرئاسية»، تشير إلى أن كلّ من صدر بحقّه «حكم باتّ ونهائي» لا يجوز له الترشّح. ومع ذلك، لم يمنع صدور الحكم المذكور من إقامة جنازة عسكرية لمبارك، ما يُشير إلى احتمال أن يأتي الرأي القضائي بخصوص الترشّح مختلفاً عن النص القانوني.
يكتنف الغموض نشاط «الهيئة الوطنية للانتخابات» بعد اعتماد تشكيلها الجديد من قِبل السيسي


والجدير ذكره، هنا، أنه عند إقامة تلك الجنازة، اضطرّ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وزوجته، لتقديم العزاء لنجلَي مبارك، في خطوة كانت ثقيلة على الطرفين. فالأخيران لا يتوقّفان عن انتقاد رموز النظام المصري الحالي واتهامهم بـ«نكران جميل» والدهما، وبـ«إخفاء جميل» مبارك على البلاد طوال حكمه لعقود ثلاثة، فيما يحمّل السيسي النظام البائد مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، علماً بأن السيسي كان يشغل منصب مدير المخابرات الحربية في النظام الذي أطيح به في انتفاضة «25 يناير». على أن المفارقة هي أن شريحة شعبية باتت تُجاهر بدعمها ترشّح جمال مبارك، و«تترحّم على أيام» والده، بالمقارنة بين تدنّي الأسعار خلال عهد الأخير وبين ما هي عليه اليوم، لا بل إنه في الأيام الماضية، تصدّر وسم «جمال مبارك رئيساً لمصر» موقع «تويتر»، حيث تداول العديد من المستخدمين صوره. وعلى الرغم من أن عائلة مبارك الكبرى، التي بات المجال الاقتصادي مفتوحاً أمامها أكثر من ذي قبل بفعل التسويات المالية، لا تبدي رغبة في العودة إلى الحياة السياسية، إلا أن هذه الرغبة تَظهر جليةً لدى جمال، الذي، وإنْ كان يتجنّب الصدام مع الدولة وأجهزتها، يولي اهتماماً خاصاً لتحسين صورته السياسية أمام الرأي العام، وإصدار بيانات من وقت لآخر لتكذيب ما ينشر في الإعلام الحكومي، وظهوره المتكرّر في مناسبات عامة بهدف إبراز الالتفاف الشعبي المفترض حوله، فيما يُسجَّل دعم خليجي لتحرّكاته، وملاقاته استقبالاً في عدّة عواصم في العامين الفائتين.
في هذا الوقت، يكتنف الغموض نشاط «الهيئة الوطنية للانتخابات» بعد اعتماد تشكيلها الجديد من قِبل السيسي، بينما لا يزال أعضاؤها يراجعون العديد من التفاصيل الخاصة بالتجهيزات اللوجستية، والتي تتضمّن التوكيلات المفترض إجراؤها للمرشّحين، وضوابط وقيود الترشح، وغيرها من الأمور التنظيمية. وإذ تلتزم اللجنة الصمت حول موعد فتح باب الترشح، بات واضحاً أن توجّه الدولة الراهن يقتضي إنجاز الانتخابات قبل 18 كانون الثاني المقبل، بالنظر إلى أن دستور 2014 الذي تعمل به البلاد، نصّ على إجراء الانتخابات تحت إشراف قضائي في خلال مدّة أقصاها عشر سنوات، ما يعني أن الانتخابات بعد التاريخ المشار إليه ستكون من دون إشراف قضائي ما لم تصدر فتوى بخلاف ذلك. من هنا، يحاول بعض معدّي الدستور المشاركين في «لجنة الخمسين»، تقديم رؤية بديلة للهيئة في حال تعثّر إتمام الاستحقاق قبل 18 كانون الثاني.