رام الله | مرّة أخرى، وفي ليلة لن تكون الأخيرة، تحوّل شمال الضفة الغربية المحتلّة إلى ساحة معركة مفتوحة، امتدّت من نابلس إلى طولكرم، وطغت فيها أصوات العبوات الناسفة والرصاص الكثيف على هدير جرافات «D9»، فيما العبوات الحارقة أضاءت عتمة سمائها، والتي كانت تتسلّل تحت جناحَيها قوات الاحتلال الخاصة ومعها جموع المستوطنين. هكذا، خرجت وحدات المستعربين من مخيم طولكرم وهي تجرّ أذيال الخيبة، مثخنةً بالخسائر والإصابات، ومبدِّدةً وهْمَ قادة أجهزة الاحتلال الأمنية بأنهم قادرون على اجتثاث المقاومة، ليجد رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، نفسه، مجدّداً، مضطرّاً إلى تكرار أسطوانة اتّهام إيران بالمسؤولية عن تصعيد المقاومة، في محاولة لتبرير هذا العار الذي لحق بجنود النخبة على مرأى مستوطنيه ومسمعهم.وتصدّرت طولكرم، منذ منتصف ليل الأربعاء - الخميس وحتى فجر الخميس، مشهد المواجهة التي تعدّدت فصولها، وأثبتت المقاومة عبرها قدرتها على الاشتباك وتكبيد العدو الخسائر، التي اضطرّت قوات الاحتلال إلى الاعتراف ببعضها، ربّما على ضوء ما نشرته المقاومة من صور لآثار دماء الجنود، وبعض العتاد الذي تركوه خلفهم، ومقاطع مصوّرة أظهرت بصورة واضحة إصابات في صفوف جيش العدو. وأقرّ الجيش الإسرائيلي، صباح أمس، بإصابة 5 جنود، 3 منهم بجروح خطيرة، بعد انفجار عبوة ناسفة بهم، في حين ذكرت مصادر عبرية أن مقاومين من مخيم طولكرم استطاعوا إعادة قنبلة يدوية ألقاها جنود الاحتلال عليهم، لتنفجر بهؤلاء الأخيرين وتوقع إصابات فيهم، قبل أن يطلق المقاومون النار عليهم من المسافة صفر، ويجبروهم على الانسحاب. لكن العدو تكتّم على إصابات أخرى في صفوف قواته، وثّقتها المقاطع المصوّرة والتي أظهر أحدها إصابة جندي واحد على الأقلّ خلال إطلاق الرصاص على نحو مكثّف على تجمّع للجنود، الذين بادروا إلى سحب زميلهم.
في المقابل، استشهد المقاومان عبد الرحمن عطا (23 عاماً)، وحذيفة عدنان فارس (27 عاماً)، وهما من قرية شوفة جنوب شرق طولكرم، بعد تنفيذهما عملية فدائية قرب مستوطنة «أفني حيفتس»، حيث أطلقا النار على مركبة للمستوطنين، ثمّ على قوات الاحتلال عند حاجز عسكري، واشتبكا مع الجنود، قبل أن يُعلَن استشهادهما. وأعلنت «كتائب القسام» مسؤوليتها عن العملية، التي قالت إنها تأتي «ضمن سلسلة عمليات الردّ على عدوان الاحتلال المتواصل بحق أقصانا وحرائرنا وأسرانا»، مؤكدةً مسؤوليتها كذلك عن عمليات في الخليل وحوارة والأغوار وتقوع في الشهور الماضية، خلّفت 3 قتلى و5 إصابات بعضها في حال الخطر. وأشارت «الكتائب» إلى أن «عملية اليوم (أمس) تأتي استكمالاً لما بدأه مجاهدو القسام في المخيم، والذين أوقعوا قوةً صهيونيةً خاصة في كمينٍ محكم برفقة إخوانهم المجاهدين من الفصائل الأخرى فجر اليوم، إذ اعترف العدوّ بإصابة خمسةٍ من جنود نخبته بينهم ثلاثةٌ في حالة الخطر»، مضيفةً، في بيان عسكري، أن «الشهيدَين القسّاميَّين، حذيفة وعبد الرحمن، استهدفا مركبات المستوطنين بعملية إطلاق نار، قبل أن يرتقيا بعد اشتباك مع جنود الاحتلال على حاجز في المنطقة».
ألقى ما شهده شمال الضفة الغربية في الساعات الماضية بثقله على قادة الاحتلال


وكانت قد عاشت طولكرم ليلة من الاشتباكات العنيفة، بعد تسلّل وحدة خاصة من جيش الاحتلال إلى مخيّمها، إذ سرعان ما جرى اكتشافها من المقاومين الذين اشتبكوا معها، واستهدفوها بصليات كثيفة من الرصاص والعبوات الناسفة، لتتحوّل أزقّة المخيم إلى جحيم حقيقي بالنسبة إليها، أشعله مقاومون تلاحموا على المحاور كلّها. وعقب تلك المواجهات، أعلنت «كتائب القسام» و«كتائب شهداء الأقصى» و«كتيبة طولكرم - سرايا القدس» تمكّن مقاوميها من إيقاع قوات الاحتلال في أكثر من كمين، أدّت إلى خسائر مباشرة في صفوفها، وعرضت مقتنيات لجنود العدو تركها هؤلاء خلفهم إثر وقوعهم في أحد الكمائن.
ولم تكن نابلس بعيدة عمّا جرى في طولكرم، إذ عاشت، هي الأخرى، ليلة ساخنة من المواجهات المسلّحة التي بدأت مع ساعات مساء الأربعاء، عقب اقتحام قبر يوسف في المنطقة الشرقية من قِبَل أكثر من 3 آلاف مستوطن، وامتدّت حتى صباح الخميس بالغةً مخيم بلاطة ومخيم عسكر القديم، إلى جانب حي الضاحية القريب من بلاطة. وأسفرت هذه الاشتباكات عن إصابة قرابة 200 فلسطيني بالرصاص الحيّ وشظايا الرصاص والغاز المسيل للدموع، فيما استُهدفت إحدى مركبات الإسعاف أثناء محاولتها نقل أحد المصابين، وفقاً لما أفادت به «جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني». وعلى الضفة المقابلة، أصيب جندي إسرائيلي بجروح طفيفة إثر انفجار عبوة ناسفة في نابلس، وفقاً للمتحدّث باسم جيش الاحتلال. وكان قد أطلق مقاومون، مساء الأربعاء، النار صوب حاجز سالم العسكري غرب مدينة جنين، بينما أصيب مستوطن بجروحٍ جراء رشق مركبته بالحجارة قرب سنجل شمال رام الله، واستهدف مقاومون طائرات الاحتلال في سماء مدينة طوباس، واحترقت حافلة للمستوطنين جرّاء استهدافها بزجاجات حارقة في قلقيلية.
وألقى ما شهده شمال الضفة الغربية في الساعات الماضية، بثقله على قادة الاحتلال، بخاصة مع اضطرار جيشه إلى الاعتراف بوقوع خسائر صعبة في صفوف جنوده. وعلى خلفية ذلك، جدّد نتنياهو اتّهامه إيران، بصورة مباشرة، بالمسؤولية عن كلّ ما يجري، قائلاً إن «من يتحمّل المسؤولية الكاملة عن كلّ ما يحصل في الضفة وما حصل قبل ساعات في طولكرم هو إيران». وزار المفوض العام لشرطة الاحتلال، كوبي شبتاي، برفقة قائد شرطة ما يسمّى «حرس الحدود»، بدورهما، «مستشفى مئير» في «كفار سابا» والذي يتواجد فيه الجنود المصابون. وأدلى شبتاتي، من هناك، بتصريح جاء فيه: «هذا حدث صعب، سنبذل قصارى جهدنا لإحباط الهجمات المخطَّط لها، هناك عدد لا بأس به من التحذيرات في الطريق».
على أن التصعيد في شمال الضفة يبدو نتيجة طبيعية لتصاعد الاعتداءات على المسجد الأقصى والمرابطين فيه خلال الأسبوع الجاري، بالتزامن مع «عيد العُرش» اليهودي. وتدرك المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية أن ما يَجري في مدينة القدس المحتلّة قادر على إشعال الساحات كلّها، ولعلّ هذا ما دفع رئيس «الشاباك»، رونين بار، إلى الطلب من وزير «الأمن القومي» المتطرّف، إيتمار بن غفير، عدم اقتحام المسجد لمنع إشعال المنطقة. وفي محادثة هاتفية «غير عادية» جرت في الأيام الماضية بين بار وبن غفير خوفاً من التصعيد الأمني، حذّر رئيس «الشاباك»، الوزير المتطرّف، من أن المدة الحالية «ليست الوقت المناسب للصعود إلى المسجد الأقصى»، ليردّ بن غفير بالقول: «اقتحامي للأقصى أمر مقدّس، لكن التوقيت ليس كذلك». ووفقاً للقناة، فإن طلب رئيس «الشاباك» جاء على خلفية الوضع الأمني وتقييمات المنظومة الأمنية، التي تعتقد أن «اقتحام بن غفير في الوقت الحالي للأقصى سيؤدي إلى إشعال المنطقة».