من جهته، يقول برهان الدين دوران، المقرّب جدّاً من إردوغان، في صحيفة «صباح»، إن «بنيامين نتنياهو يحاول شرعنة المجازر ضدّ الفلسطينيين باقتباسات من التوراة. وقد حذّر إردوغان من سعي إسرائيل لتحويل الحرب إلى دينية، وتوفير الغرب بيئة داعمة في هذا الاتجاه، وهو ما حثّ نتنياهو على مواصلة خطابه الديني - الحضاري، في ما يعيد إلى الأذهان الخطاب الصليبي الذي شاع بعد 11 أيلول 2001، وغزو أفغانستان والعراق». وبحسب دوران، فإنه «بالإضافة إلى بايدن الذي يعرّف عن نفسه كصهيوني، فإن الرئيس الجديد لمجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، يُطلق خطاباً دينيّاً متطرّفاً، إذ يقول إن الإنجيل يدعو المسيحيين إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل، واعتبار ذلك واجباً مقدّساً. وهذا الأمر يحيى مقولة «صدام الحضارات»». ويضيف الكاتب أن «السياسيين الأميركيين لا يشعرون بالحاجة إلى إخفاء نزعتهم الدينية، فيما الأوروبيون العلمانيون ساكتون. وبالتالي تتحوّل «المدنية الغربية العلمانية» تدريجيّاً إلى خطاب ديني يهودي - مسيحي، بعدما أصبح سقوط آلاف المدنيين ضحايا في غزة جزءاً «طبيعياً» من الحرب، ليبقى أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وحيداً في دفاعه عن غزة الغارقة في الموت». ويرى دوران أن ما نشهده بعد السابع من أكتوبر «ليس فقط صداماً إسرائيليّاً - فلسطينيّاً، بل انهيار في نظام الأمم المتحدة، وانحلال في القانون الدولي»، مستدركاً بأنه «على خلاف مواقف الزعماء الغربيين، فإن مواقف كتل من المجتمع المدني الغربي مهمّة جدّاً لناحية إيقاظ الضمير الغربي». ويَعتبر أن «إردوغان كان متيقّظاً لهذا الاستقطاب، وحذّر الغرب من استثارة صدام بين الهلال والصليب»، مسغرباً، في الوقت ذاته، أنْ «يُفسَّر كلام الرئيس التركي على أنه دعوة إلى حرب دينية، في حين أن نتنياهو هو الذي أشعل شرارة هذه النزعة بإغراق المدنية الغربية بالأكاذيب».
يمكن للحكومة ومنظّمات المجتمع المدني تقديم إخبار إلى «محكمة الجنايات الدولية»
وفي صحيفة «قرار»، يكتب إبراهيم كيراس أنه «لَشيء غريب أن يدعم العالم الغربي المجازر الوحشية في غزة، ويرى في الشرّ خيراً»، معتبراً أنه «من الطبيعي أن يُواجَه قتل حماس لمدنيين بالإدانة. حتى الأشخاص الذين كانوا مع حماس والقضية الفلسطينية استنكروا ودانوا ذلك»، مستدركاً بالتساؤل: «كيف يمكن ألّا يهتمّ «الشعب الأوروبي» لمقتل أكثر من ثلاثة آلاف طفل فلسطيني، وبمذابح المستشفيات؟ وكيف لا يرى الأوروبيون الاحتلال والمجازر أمراً غير طبيعي؟». ورأى أن «الجواب على هذا السؤال نفسيّ، وهو يتعلّق بشعور الأوروبيين بأنهم واليهود متشابهون، بينما لا يشبهون المسلمين بشيء».
في المقابل، وفي محاولة لتعظيم خطوات تركيا التي لا تزال منحصرة في الإطار الكلامي إلى الآن، والردّ على الاتهامات الموجّهة إليها بالتهرّب من اتّخاذ إجراءات مضادّة حقيقية، يتساءل إيلنور تشيفيك، عمّا إذا كان الفلسطيني يدرك «كم تقدّم تركيا من تضحيات»، لأنه من المهم، بحسب ما يضيف، أن «يكون واضحاً الثمن الذي تدفعه (بلاده) في مواجهة بعض اليهود الذين يمسكون بحنفية المال في الغرب، في وقت تحتاج فيه تركيا إلى رأس المال الأجنبي، حيث تمرّ بضائقة اقتصادية جدّية». ويرى تشيفيك أن «أيّ بلد مسلم لم يُظهر الحساسيّة (تجاه الفلسطينيين)، التي أَظهرتها تركيا المستعدّة لدفع الثمن»، متسائلاً: «هل من بلد آخر غير تركيا، وزعيم آخر غير إردوغان، ذهب إلى درجة إعلان إسرائيل مجرمة حرب، والعزم على اتّخاذ الخطوات المناسبة لملاحقتها؟». لكن الانطباع الذي تولّد عنده، وفق ما يقول، هو أن «الفلسطينيين لم يروا أهميّة في ما تفعله تركيا»، إذ «من خلال اللقاء مع بعض المثقّفين الفلسطينيين قبل مدّة، يتبيّن أنهم لا يعيرون أهميّة» لذلك. ويضيف أن «تركيا تُتّهم بأنها لم تتّخذ أيّ خطوة ملموسة ضدّ إسرائيل، ولكن إردوغان اعتبر حماس منظمة غير إرهابية، وأعلن إسرائيل مجرمة حرب، وسيلاحقها. وتركيا أرسلت أطباء وستّ طائرات محمّلة بالمساعدات الإنسانية. لقد فعلنا ما لم تفعله أيّ دولة عربية... إنّنا نتمزّق من أجل الفلسطينيين، ولكنهم لا يَرون ذلك».