[12 تشرين الثاني]«في طريق عودتنا إلى القسم، رأينا السجان يسحب عدداً من الأسرى الجدد على الأرض بطريقة مرعبة. حاولتُ الصراخ، إلا أنه تمّ منعي بسرعة. المشهد مرعب ويذكّرني بما كنا نشاهده نقلاً عن سجن أبو غريب وغوانتانامو».

ما بعد عملية المقاومة، «طوفان الأقصى»، أعلن العدو الصهيوني حالة الحرب، وشرع في إعلان قوانين الطوارئ، ولم يعد يأبه لأي منظومة أو يراعي أي قوانين دولية، حتى ولو شكلياً كما كان في السابق. تغيّرت الأحوال بعد الهزيمة الكبرى التي لحقت بالعدو، وشرع في بثّ العنف والهيجان على الصعد كافة، والتي طاولت الأسرى العُزّل في السجون، إذ باتوا ملاذاً لتفريغ حالة الهيجان والعنف عند كل جولة خاسرة في غزة. واستمر في استخدام مختلف الأساليب البربرية، إذ بدأ يُدخل الكلاب أثناء «العدد» على ساحة الأقسام ويطلقها على الأسرى، بعدما كان ممنوعاً في السابق.
■ ■ ■

[11 تشرين الثاني]
إهانات واستفزاز وإجراءات أكثر تشديداً. ونحن بانتظار الزيارة، رأينا مشهد وحدات النحشون وهي تُدخل الكلاب على الأسرى، وصوت الصراخ والضرب، وكم يتكرّر هذا المشهد، وبكثير من الأساليب الوحشية المهينة. السجون أصبحت زنازين حقيقيةً، بكل التفاصيل والإجراءات. وبرغم كل هذا الغضب المُنصبّ علينا، سيبقى هناك غدٌ مشرقٌ بعنوان الحرية، هذا ما يسيطر على كل الحركة الأسيرة.
■ ■ ■

[12 تشرين الثاني]
بعد ما خلّصنا زيارة مع المحامي، كنّا محشورين في زنزانة، واحنا راجعين بحكولنا ارجعوا وانتو منزلين روسكم، وانحناء كامل، أنا ما رضيت، ودبّ الصوت، وناديت الضابط، وتنّحت معي على تياسة، واتجمعوا كلهم وضليت على موقفي، وما رديت، واحنا ماشيين شفت سجانة كلبة ماسكة بطاقتي وبتحكي عنها، قلت الله يستر، المهم رجعنا مرفوعين الراس على القسم.
■ ■ ■

[17 تشرين الثاني]
ما زال كل شيء يسير بصعوبة بالغة، وما زالت تلك الإجراءات الانتقامية تكثر وتزداد، في طبيعة المضايقات اليومية المعيشية مروراً بكميات الأكل ونوعه، وصولاً إلى حالة العزل والكبت على أتفه الأمور وأبسطها. حتى شكل العدد أصبح مختلفاً. أجبروا الجميع أثناء العدد على الرجوع إلى آخر الغرفة بجانب الحمام، وهذا إجراء جديد، ناهيك عن الصوت المرتفع أثناء العدد، وخاصة في الصباح الباكر جداً، وكيف هي طريقة الاستفزاز والضرب على الأبواب لخلق حالة من الرهبة والرعب في قلوب الجميع. الأيام هنا تسير بشكل عسير وبصعوبة بالغة، ولا نعلم ماذا سيكون في انتظارنا في الغد الأسوأ. الكل يتلهف لسماع خبر مفرح، بخصوص وقف إطلاق النار، أو أن تتم صفقة سريعة كانفراج أولي أمام هذا السخط. وأنا حالي كحال الجميع، أنتظر زيارة المحامي، حتى يتسنّى لنا معرفة الأخبار.
■ ■ ■

اليوم طويل جداً جداً، ومُملّ فعلاً، هذه الأيام سجن مرعب، وحقيقي، لكنّني أضع برنامجاً، علّي أخفف من التوتر، والشيء الوحيد الذي ينقذني كل مرة، هو صورنا التي استطعت تخبئتها بصعوبة، وبعض كلماتنا التي أخبئها جيداً، فهي الآن قوتي وقوّتي.
■ ■ ■

«بين 20 و25 كانون سَتلدُ الغنمة»
رغم شدة الألم والمعاناة، ما زال الأسرى يتفقدون حياتهم اليومية، ويفكرون بالتفاصيل الدقيقة، خارج السجن، تماماً كما كان الراحل نلسون مانديلا يقول: «لا شيء في السجن يبعث على الرضى سوى شيء واحد، هو توفر الوقت للتأمل والتفكير».
أحد الأسرى يتفقّد امتحان ابنه طالب الطب في مصر.
آخر يتفقّد قدم زوجته التي كانت تؤلمها قبل اعتقاله.
وآخر يتذكّر موعد ولادة إحدى غنماته، فيقول لمحاميه:
«أبلغ والدي أنه بين 20 و25 كانون الأول، ستلد الغنمة، احفظوا الموعد جيداً، وهيّئوا لها الظروف المناسبة، ستنجب الغنمة مولودها الأول».
■ ■ ■

يقول أسير لحبيبته التي ما زالت تنتظره منذ سنوات:
«ذكرياتي معك في الخارج هي الشيء الوحيد الذي يجعلني سعيداً ومُتلهّفاً للحرية».
■ ■ ■

تصاعدت الإجراءات مع كل يوم يمضي، ولم تعد الأهداف الإسرائيلية فقط هزيمة «حماس» واجتثاثها، وإنما أصبح هناك حاجة للعودة إلى صهر الوعي، فأصبحت وحدات التفتيش تدخل صباحاً ومساء على غرف الأسرى القاحلة، المفرغة من كل شيء، على ماذا يبحثون! لم يكن مسعاهم سوى التنكيل والقمع والتضييق:
«يبدو أننا في طريق الحرية، بدأت الابتسامات ترتسم على وجوه الأسرى، وأنا أفكّر كيف سيكون الإفراج، ما شكله، ومكانه، ومشهد اللقاء، كيف سنلتقي في اللحظة الأولى».
■ ■ ■

أخبار فقدان الأحبة
«المرارة والحزن تجرعناهما بجرعات الألم ووخزات القلب الموجعة التي لا تريد أن يرحل الأحبة، لا تريد لهذه الدموع أن تنهار، ماذا سأقول، كل الكلمات لا تستطيع أن تعبّر عن رهابة الموقف والحزن العميق والدمع الجارف المتجدد مثل الينبوع، المجد لك يا رفيقي».
كانت هذه كلمات أحد الأسرى عندما تلقّى خبر استشهاد رفيقه، كان يودّ لو أن ينتفض ويصرخ، لكن عزاءه الوحيد كان انتصار المقاومة الباسلة. لا تلغي الانتصارات الحزن العميق الذي انتابه، ولا شريط الذكريات الذي استجمعه في لحظات، ولا حُرقته وهو بعيد كل البعد وممنوع من وداع رفيقه. لم يكن أمامه خيار سوى استجماع قواه تارة، واستحضار الذكريات تارة أخرى، على مساحته الخاصة التي لم يعد سواها مكاناً خاصاً، «البُرش»، وهو ما يشبه السرير، فلم يعد هناك إمكانية للتجوّل في ساحة السجن الخارجية أثناء «الفورة» وأصبح الأسرى يجلسون على مدار اليوم كاملاً في الغرفة ذات المساحات الضيقة. نعم، أصبحت زنازين جماعية، ولم يعد للأسير لحظة للصفاء سوى إغلاق عينيه على برشه الخاص.
■ ■ ■

قولوا لزوجتي:
«صور الأحبة والأهل هي سفينة الحرية التي نُبحر بها طيلة الوقت، بكل حبّ وأمل. 11 تشرين الثاني، صباح جديد، يتقدّم بنا إلى اللقاء الأجمل، لقاء الحرية والفرحة الأكبر، والغمرة القوية الجنونية».
■ ■ ■

بحسب شهادات أحد الأسرى، الذي أمضى أكثر من نصف عمره داخل أقبية السجون، والمعروف عنه الزهد والصلابة، الصمت والحزم، الخجل والتواضع، يعيش على الكفاف:
«الوضع الآن تحت خط الجوع. وجبتان من الطعام، ذي رائحة كريهة، وكميات قليلة، ولكن نأكله، لا خيار آخر، وفي الليل تهبّ رائحة حرائق النفايات، تملأ الغرف، مزعجة وكريهة».
■ ■ ■

في رسالة أحد الأسرى لوالدته:
«7 تشرين الثاني، وصلنا خبر استشهاد أسير آخر، الوضع متوتر، وحالة استنفار في الإدارة، استمرار في الإغلاق، والحرمان من أبسط الحقوق، حرمان من كل شيء. والجميع بدت عليه علامات التعب والإرهاق والملل إلى حدّ لا يطاق. بس أنا منيح، وصحتي تمام، المهم انت منيحة وكلكم مناح».