الأحلام، الفقدان، والموت، والهواجس هي الدافع الأساسي وراء كتابة وإخراج مسرحية «غمّض عين، فتّح عين» التي تتواصل عروضها حتى 23 تموز (يوليو) على خشبة «مسرح مونو». توسّع كلٌّ من سارة عبدو وكريم شبلي، عملهما الذي قدّماه خلال العام الماضي ليغطّي بشكل أكبر مشهدية انفجار مرفأ بيروت وتبعاته. في هذه المسرحية، نرافق حبيبين هما عائدة وإبراهيم (تمثيل سينتيا كرم وفؤاد يمين) في شريط مسرحي، يتداخل فيه الماضي والحاضر، ويتنوّع بين الثقل، والروتين، والمصاعب، والحب، في وقت التحولات الكبرى. في حبكة المسرحية، يستغل إبراهيم، غياب زوجته عائدة، ليدخن سيجارة من دون علمها. لدى عودتها، تقبض عليه بالجرم المشهود، ما يدخلهما في دوّامة من المشكلات والصراعات التي توقظ ذكريات الحب، والصمود، والضحك، والفقدان. تمثل الشخصيتان أيّ شريكين أو حبيبين، يعيشان مع بعضهما، كما أنّنا نراهما في شبابهما وخريفهما. «كلنا في هذا البلد، أشبه بشخصيات، لديها وجه كوميدي ووجه تراجيدي. لذلك أتت المسرحية متّزنة بين نوعين متكاملين، أحداثها واقعية، وأصيلة، ومشبّعة بعواطف الحب التي رأيناها، رغم الدمار والحروب... نحن كشعب عشنا أصعب الظروف، وبات الضحك مرسّخاً فينا» وفق ما يقول مخرجا العرض. بالتالي، يصعب تصنيف المسرحية، ما إذا كانت تندرج تحت أطر الكوميديا، أو التراجيديا، وهو خيار دراماتورجي، اعتمده المخرجان للدلالة على «أنّ حياتنا، في هذا البلد، ممزوجة بنوعين دراميين متداخلين». أما مردّ الواقعية في هذا النص، فهو الذاكرة المشتركة، بين شبلي وعبدو اللذين كتبا النص، على مدار أكثر من سنة. الذاكرة تتقاطع فيها أحداث الانتداب مع أجدادهما، وأثر الملاجئ والحروب مع آبائهما، وحوادث الفقدان معهما.
تمّ العمل على المسرحية وفق أسس أكاديمية ومهنية، بدءاً من خط النص الذي يستند إلى حوارات جرت في محيط سارة وكريم العائلي، مروراً بدراسة الشخصيات والحفاظ على خطها المتصل وبلورتها، والعمل على تجسيدها وفق تقنيات الجسد والصوت، وصولاً إلى الرؤية الإخراجية. كانت كلٌّ من سينتيا كرم وفؤاد يمين، قد تعرفا إلى الشخصيات الحقيقية، التي شكّلت مصدر إلهام للكتابة. تقوم سينوغرافيا العرض على اقتضاب واضح، وتأتي مجردة لتشبه بيوت المدينة القديمة.
تمويل العرض شخصياً بمساعدة الأصدقاء

يأخذ «الحمام» الذي يتوسّط الخشبة، أبعاداً متناسقة، يشي بأنه مهما تبدلت الأحوال والظروف، يبقى هذا المكان، هو الأكثر حميميةً والتصاقاً بنا، كأنه عزلتنا الأبدية، التي لا يقوى شيء على اختراقها. الألوان الموظَّفة في السينوغرافيا، تعطي انطباعاً بالعراقة والقدم. ومع تغيّر المشاهد، وتبدل الشخصيات، وتصاعد الأحداث، تتحرك السينوغرافيا وتتغير، وفقاً لمنظور أراده المخرجان، مختلفاً في كل مرة. على صعيد متصل، يأتي الخيار السينوغرافي مقتضباً، من قبل القائمين على العرض، على أمل أن يجول العرض في مختلف المناطق اللبنانية في المستقبل، وخصوصاً المهمشة منها.
رغم صعوبة الإنتاج، الذي بات، في الوقت الراهن، يعتمد على المنح المالية من المؤسسات الثقافية، قرر القائمون على هذا العرض، خوض غمار تجربة إنتاج جديدة، تقوم إستراتيجيتها، على المخاطرة بتمويل العمل شخصياً، والحصول على رعاية عدد من الشركات المحلية، ومساعدة وتعاون الأصدقاء. أمر يسمح للتجارب بأن تكون أكثر حريةً في طرح المفاهيم، وتسمح للفنانين الصاعدين باستثمار قدراتهم، وطاقاتهم، وأحلامهم، وخيباتهم، في عرض فني يستحق المشاهدة والتشجيع.

* «غمّض عين، فتّح عين»: حتى 23 تموز (يوليو) ــــــ مسرح «مونو» (الأشرفية ـ بيروت) ــ الحجز في مكتبة «أنطوان» ـــ للاستعلام: 70/626600