في تسعينيات القرن الماضي، تعرّف المشاهد العربي إلى مسلسل الأنيمي Tiger Mask (النمر المقنّع) والمقتبس عن مانغا شهيرة للكاتب إيكي كاجيوارا والرسام ناوكي تسوجي. يومها، حقق العمل الذي يتحدّث عن «مصارع» يرتدي قناع نمر ويخوض مغامرات مليئة بالأحداث المثيرة والصاخبة، نجاحاً واسعاً. لكن ما لم يعرفه المشاهدون أنّ هذا لم يكن إلا الجزء الثاني من المسلسل، فيما تم تقديم فيلم لخّص الجزء الأوّل بالكامل في نسخته المدبلجة بالعربية. كان المسلسل امتداداً لثقافة «أنيمي» يابانية دخلت الوطن العربي، بدأتها مسلسلات مهمّة مثل «غرندايزر» و«جونكر» و«ساسوكي» و«ساندي بيل» و«الحوت الأبيض» و«أوسكار» وسواها من الأعمال التي لا يزال لها عشّاق عرب حتى يومنا هذا. اللافت أن هذه المسلسلات تحظى بصفحات تعيد نشر حلقاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من مثيلاتها الجديدة، مثل «كونان» و«بي بليد» و«بوكيمون» و«ديجامون»، التي مثّلت المرحلة اللاحقة من مسلسلات الأنيمي المعرّبة والمدبلجة واشتهرت بتقديمها قناة «سبيس تون».
يتمحور الموسمان الأخيران حول فكرة أشمل وأكثر عمقاً من السابق

وفي عام 2016، أطلق استديو «توي أنيميشن» الشهير والمتخصّص في مسلسلات الأنيمي عمله القديم ــ الجديد Tiger Mask W، مراكماً على نجاح الموسمين الأوّلين، وإن كانت الفكرة هذه المرة أشمل وأكثر عمقاً. بدلاً من التركيز فقط على «المصارعة» في قصة شبه أحادية، خُلقت أكثر من عقدة متوازية جعلت العمل ككل أقرب إلى مسلسلات الدراما الحديثة منها إلى مسلسلات الأنيمي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. منطقياً، عانت مسلسلات تلك المرحلة من «أحادية الفكرة وتكرارها» بشكل مرعب ومضنٍ، بمعنى أنّ البطل يواجه الشرير الكاريكاتوري الذي يبذل كل جهده ليخسر كل مرّة في مقابل انتصار البطل في نهاية كل حلقة. وهذا ما كان يحصل في معظم إنتاجات تلك المرحلة. هذه البنية الدرامية، التي كانت مرغوبة في ذلك الزمن، لم يستسغها الجمهور اللاحق. لذلك، كان واضحاً أنّ الأجيال الجديدة كانت لا تشاهد هذه الأعمال، مفضّلةً عليها مسلسلات ذات قصص أعمق وأحداث متوازية. ولعلّ مسلسلات الأنيمي (مثل «كونان» و«بوكيمون» وغيرهما) حافظت على منطق «انتصار» البطل على الشرير الكاريكاتوري في كل حلقة، كنوع من النوستالجيا والعادة.
شرح الكاتب كاتسوهيكو شيبا والمخرج توشياكي كومورا أنّ Tiger Mask W ليس تتمة للأجزاء السابقة، بل يدور في «عالم مواز»، بعد أربعين عاماً من نهاية الجزء الثاني، حيث اختفى «ناوتو دات» بعد تغلبه على خصمه «النمر الأعظم» في المباراة الختامية. و«النمر» الأعظم هو زعيم Global Wrestling Monopoly، وهي منظمة تستخدم المصارعة والرياضة للسيطرة على العالم وتحقيق أرباح مالية هائلة. تعود للظهور تحت إدارة «السيدة اكس»، لتخوض بكلّ قوتها نزالاً مع شركة «زيبانغو للمصارعة المحترفة» التي تعاني خسارة فادحة ويتعرض صاحبها ومصارعها الرئيسي «ديساكو فوجي» للشلل على يد المصارع «الشيطان الأصفر». يحدث كلّ هذا أمام أعين الشابين «ناوتو أزوما» و«تاكوما فوجي». بعد ثلاث سنوات، يختار الثنائي أن يصبحا مصارعين بهدف الانتقام ممن فعل هذا بمدرّب الأوّل ووالد الثاني. ينضم «تاكوما فوجي» إلى المنظمة التي دمّرت والده وأقعدته، بهدف الوصول إلى رأسها والانتقام لأبيه، مرتدياً قناع النمر وملقّباً نفسه «النمر الغامض». في غضون ذلك، يحصل الثاني على مساعدة «كنتارو تاكواكا»، صديق «النمر المقنّع الأصلي» الذي يأخذ «أزوما» إلى مقر تدريبات «النمر المقنّع» ويبدأ بتمرينه ويعطيه القناع الأصلي للنمر. تنطلق بعدها الصراعات في المسلسل، وصولاً إلى انتقام الشابين في الحلقات الختامية.
إحدى ميزات المسلسل التي ربما دفعت منصة بحجم نتفليكس إلى إدراجه ضمن مكتبتها، تتمثّل في أنّ لغته الدرامية حديثة. الأبطال غير سطحيين، يمرّون بمراحل عدّة من الخير إلى الشر، وما بينهما، فضلاً عن قصص جانبية كثيرة، لا تتلخص في الصراع والقتال، بل تشمل قضايا نفسية وعلاقات بشرية، إلى جانب أهمية المال والعائلة...
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. بعد النجاح الكبير للجزءين الأوّلين وارتداء عدد من المصارعين الحقيقيين قناعَ النمر، تواصلت المنصة الأميركية الرائدة في مجال الستريمينغ مع شركة المصارعة اليابانية NJPW بهدف مزج العالمين الافتراضي والواقعي. وفعلياً، تحقّق ذلك من خلال دمج مصارعين حقيقيين ظهروا بأسمائهم وشخصياتهم وتصرّفاتهم والحركات التي يؤدونها. هكذا، شاهدنا مصارعين معروفين أمثال كازوشيكا أوكادا، وهيروشي تاناهاشي، وريو واكاموتسو، ويوجي ناغاتا، وتوغي ماكابي، وتوموكو هوناما، وتوموهيرو ايشي، ويوشي هاشي، وكيني أوميغا، وتيتسو نايتو، وتاكو فال، وتاما تونغا. يضاف إليهم عدد من الإشارات لمصارعين معروفين، من بينهم «الأندرتيكر» (من شركة WWE) الذي يظهر بشكله وشخصيته، لكن كإنسان آلي. ويبدو أنّه لم يتمّ استخدام اسمه الحقيقي خوفاً من المقاضاة. الأمر نفسه انسحب على المصارعتين المعروفتين شارلوت فلير وبيكي لينش اللتين ظهرتا بشكلهما وشخصيتهما، لكن من دون اسميهما الحقيقيين. قرّرت شركة NJPW المراكمة على هذا المزج في مسلسل التحريك، مستخدمةً شخصيات المسلسل في مباريات مصارعة حقيقية. هكذا، شاهدنا «النمر المقنّع» (أدى دوره المصارع كوتا ايبوشي) يصارع «النمر الظلامي» (أدى دوره المصارع ACH). علماً أنّ شركة المصارعة تواصل تقديم هذه الشخصيات بين الحين والآخر في ترويج دائمٍ لعروضها، إذ لا يزال العمل الدرامي يحظى حتى اليوم بشعبية واسعة.
تكتسب أغنيتا البداية والنهاية شهرة كبيرة


موسيقياً، تعدّ أغنيتا البداية Go Tiger Mask والنهاية «ملك الأدغال» (أدتهما فرقة الريجا اليابانية «شونان نوكاز»)، من الأشهر في هذا الإطار، ولا تزالان تستخدمان كموسيقى «تشجيعية» في الكثير من الأعمال الأخرى. ورغم أنّ المسلسل حافظ على أصالة الجو العام للأصل، إلّا أنّه «طوّر» من حركة الرسوم، فضلاً عن تحديثها، وهذا ما منحه قوة أكبر. في هذا الإطار، يذكر أنّ نتفليكس (تعرض المسلسل بأجزائه كافة)، تفكر جدياً في إصدار جزءين جديدين، لكن الشركة اليابانية الأم تظهر تعنتاً حتى اللحظة، مفضلةً أن يكون العمل «يابانياً» أصلياً يعاد طرحه عبر نتفليكس، الأمر الذي ترفضه الأخيرة. تعنّت ربّما يرتبط بطبيعة المجتمع الياباني المحافظ، الذي لن يقبل إدغام الشركة الأميركية للكثير من «المحرّمات» بالنسبة إليه على أصعدة عدّة.
في المحصلة، تأتي تجربة المسلسل الحالي ناجحة في محاولة إعادة تقديم مسلسلات الأنيمي الكلاسيكية، عبر تقديم قصة مسبوكة، متعددة الحكايا والقصص، شخصياتها غير مسطحة، تقارب القضايا الرئيسية للمجتمعات، وإن بطريقة الأبطال الخارقين وبطولاتهم.

*Tiger Mask W متوافر على نتفليكس