دمشق | بينما كانت البلاد تنام وتصحو على برد «سليماني» بسبب الحصار والخوف والفقر... وفي الطريق الواصل إلى المدارس، والمؤسسات الحكومية، أو المعامل الخاصة، والثكنات العسكرية، كانت أغنية «سوريا يا حبيبتي» تصدح صباحاً من كلّ مذياع، لتبدو كأنها تسطو على الشوارع! المشهد تسيّد مرحلة زمنية طويلة امتدت منذ ما بعد حرب تشرين سنة 1973 حتى نهاية التسعينيات. ظلّت الأغنية تحافظ على مكانها الثابت في الإذاعة السورية والمحطتين التلفزيونيتين اليتيمتين. المغنية التي عرفها الجمهور السوري من الاحتفالات الوطنية والمناسبات القومية والمهرجانات، استطاعت أن تتسلل إلى مطابخ العائلة، وتعدل مزاج ربات البيوت اللواتي اعتدن في حقبة زمنية معينة، ألّا ينجزن أعمالهن المنزلية إلا على صوتها. كذلك رافقت صاحبة «ميّل يا غزيّل» السوريين في أفراحهم، كونها كانت محترفة في التنويع وقادرة على إجادة اللون الشعبي بالمقدرة نفسها على أداء الطرب، إلى جانب الأغنية الوطنية!

وقد سبق للمخرج الراحل محمد سلمان أن تحدّث في لقاء تلفزيوني عن «سوريا يا حبيبتي» التي أنجزها في زمن قياسي أثناء حرب تشرين. وقتئذٍ لم يتمالك نفسه، وقرر السفر من بيروت إلى دمشق ليكون قريباً من الحدث. أينما حلّ، كان يحمل بيده قلماً وأوراقاً لتدوين أي فكرة. لاحت له فكرة الأغنية ووجد نفسه يكتب: «سوريا يا حبيبتي... أعدتِ لي كرامتي... أعدتِ لي حريتي... أعدتِ لي هويتي» . ثم اسلتهم مقطعاً ثانياً من حديث الناس في المقاهي عن الجبهتين السورية والمصرية وتوحيد الجهود العربية، فكتب: «الآن إني عربي... يحق لي اسم أبي ومن أبي!... رصاص بندقية يصنع الحرية للأمة الأبية». وبعد ذلك، سألته ابنته سمر عن الحرب وعن فلسطين، فدفعته نحو طاولته كي يصوغ المقطع الأخير من الأغنية: «لم ينتهِ المشوار يا عروبة... حتى تعود أرضنا السليبة.. ففي الخيام طفلة المصيبة... تنادي يا سوريّتي الحبيبة... أعيدي لي كرامتي... أعيدي لي حريتي... أعيدي لي هويتي»، وقد صوّر التلفزيون السوريّ الأغنية التي جمعت المغنّين مع مشاهد حقيقية من أرض المعركة!
في حديثه مع «الأخبار»، يقول الباحث الموسيقي عثمان الحناوي: «في صالتَي سينما «الزهراء» و «السفراء» ومسرح «معرض دمشق الدولي» القديم، أجبرتنا نجاح سلام أن نصرخ "الله" بصوت واحد، ونحن جمهور حفلاتها، التي لم تكن تنقطع عن الشام، لأنها انتمت قولاً وفعلاً إلى زمن العمالقة. صوت نقي إلى آخر أيام حياته، ويبدو الإعلام أمام مسؤولية جسيمة اليوم بأن يبذل جهداً للحفاظ على إرثها الكبير، وألا يطويها النسيان بعد أيّام». ويضيف: «أثرَت الراحلة المكتبة العربية بصوتها، وهي فعليّاً لا تقل عن سعاد محمد ووردة الجزائرية ونجاة الصغيرة ونور الهدى... كما أنها عاصرت كبار الملحنين والموسيقيين في العالم العربي وعايشتهم وتعاملت معهم، ورغم أنها انكفأت بعيداً عن الأضواء في آخر سنواتها، لكنها ظلّت أرشيفاً يستحق العناية والحماية على الدوام».
وعن علاقتها بسوريا، يقول الحناوي إنها «كانت صاحبة مبادرة وقريبة جداً من كلّ المناسبات والمهرجانات الوطنية وغيرها، وصارت أغنيتها، مع زوجها محمد سلمان ومعهما محمد جمال، «سوريا يا حبيبتي» بمنزلة نشيد قومي يردده الجميع في مراحل متباينة».