القاهرة | صحيح أنّ الصالات المصرية سجّلت ارتفاعاً قياسياً مقارنة بعامي 2021 و2022 بعدما استقبلت 42 فيلماً في السنة المنصرمة، لكنّ أكثر المتفائلين لم يتوقع أن يشهد شهر كانون الثاني (يناير) 2024 وحده عرض 13 فيلماً، من بينها ثمانية انطلقت في انتظار خمسة أعلن منتجوها عن مواعيد عرضها الرسمية، فيما يظلّ احتمال الإضافة وارداً وسط ترجيحات بأن يشهد شباط (فبراير) المقبل المعدل نفسه. في هذه الحالة، سيكون عدد الأشرطة المعروضة في شهرين فقط موازياً لما تابعه جمهور شباك التذاكر المصري طوال 2021 على سبيل المثال. وهناك مؤشرات على أن يتخطى عدد الإنتاجات السينمائية في العام الحالي حاجز الستين فيلماً. طرحت هذه الطفرة تساؤلات عدّة عن الأسباب والنتائج، فيما سجّل كثيرون انتقادات لتراجع المستوى الفني. غير أنّ هناك من يعتبر أنّ المهم الآن هو عودة الروح للسوق التي تراجعت بشكل كبير منذ ثورة يناير 2011، باستثناء مدة صعود مؤقتة قبل أن تشهد أقل مستوياتها إبان انتشار فيروس كورونا. يرى أصحاب هذا الرأي المتفائلون أنّ عودة الروح لسوق صناعة الفن السابع في المحروسة سيرفع من النوعية تدريجياً، ولكنّ بعضهم يتوقف عند تعريف «الفيلم الجيد». هل المقصود هو الفيلم التجاري الجيد بما أنّ أعمالاً عدّة لنجوم كبار فشلت حتى في إرضاء أذواق جمهور أفلام الضحك والتسلية؟ أم المقصود هو الفيلم القادر على عبور الحدود عالمياً وليس عربياً، إذ تعاني السينما المصرية من غياب شبه دائم عن المسابقات الدولية في المهرجانات الكبرى؟ علماً أنّ الجدل يثار سنوياً حول الشريط المناسب لتمثيل مصر في مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، ويقال دوماً إنّه يتم إرسال الأفضل محلياً رغم أنّه لا يكون قادراً على منافسة أفلام لبنانية وتونسية ومغربية نجحت على الأقل في دخول التصفيات النهائية. قضية أخرى موازية تطرح نفسها بقوة، تتمثّل في الربط بين الطفرة الإنتاجية في مصر وما جرى في السعودية في الأعوام الأخيرة. عادةً ما تحقّق الأشرطة المصرية إيرادات كبيرة في صالات المملكة. وإذا افترضنا أنّ فيلماً حقق مليون ريال فقط في دور عرض السعودية، فقد يوازي هذا الرقم نصف ما يحققه في شباك التذاكر المصري. لا بل إنّ هناك أفلاماً حققت في السعودية ما يفوق كثيراً ما جنته في بلدها الأم، في الوقت الذي عرضت فيه أفلام أخرى في المملكة فقط ولم يرها جمهور المحروسة. وبالتالي، بات الإنتاج أكثر شجاعة في تمويل الأفلام كون السوق السعودية قادرة على تعويض الإنفاق سريعاً إلى جانب باقي مصادر الدخل، مثل شاشات الإمارات والكويت، ثم منصات البثّ التدفقي كنتفليكس و«شاهد»، وصولاً إلى البيع لشركات الطيران. غير أنّ «النهضة» السعودية لم تسهم فقط في تشجيع المنتجين على دوران الكاميرا وفتح المجال لممثلي الصف الثاني ليكونوا نجوماً، بل تركت تأثيرات سلبية سواء رقابية أو على مستوى المحتوى. فقد اضطر صناع فيلم «القاهرة مكة» مثلاً لتغيير اسمه إلى «رحلة 404» بعد اعتراض الرقابة السعودية عليه، على أن يعرض في مصر يوم الخميس المقبل وفي المملكة في الأول من شباط (فبراير). الشريط الذي كتبه محمد رجاء وأخرجه هاني خليفة وتجسّد بطولته منى زكي، عانى من تشدد الرقابة المصرية في ما يتعلق بشخصية رجل مثلي ضمن الأحداث، فتغيرّت الشخصية بالفعل مع تصوير مشاهد جديدة، قبل أن تصدمه الرقابة السعودية وتطلب تغيير اسمه. من ناحية أخرى، عادت الممثلة الكبيرة إسعاد يونس للبطولة السينمائية بعدما وجدت شريكاً سعودياً يموّل فيلم «عصابة عظيمة» (كتابة هاجر الإبياري، وإخراج وائل إحسان) الذي لم يحقق الإيرادات المرجوّة في شباكي التذاكر المصري والسعودي، وسط تساؤلات مسبقة عن جرأة يونس في بطولة فيلم، وهي التي لم تفعلها في مرحلة النضوج والانتشار. لكن طالما أنّ المموّل السعودي لا يمانع، فلا حديث عمّن سيتحمّل الخسائر.
على الصعيد نفسه، لاحظ المتابعون أنّ أفيش فيلم «الإسكندراني» (كتابة أسامة أنور عكاشة وإخراج خالد يوسف) المعروض في السعودية، أبرز بيّومي فؤاد بطلاً، خلافاً للأفيش المصري الذي احتفظ بالبطولة لصاحبها الأصلي أحمد العوضي. ولم يحقق الشريط في السعودية إيرادات كبيرة، فيما سجّل مبالغ متوسطة في الشباك المصري الذي شهد مفاجأة كبرى هذا الشهر تمثّلت في تقدّم فيلم «الحريفة» (كتابة إياد صالح، وإخراج رؤوف السيد، وبطولة مجموعة من الوجوه الصاعدة) بتحقيقه قرابة 370 ألف دولار في أسبوعين رغم غياب النجوم، لينافس فيلمي «أبو نسب» (تأليف أيمن وتار، إخراج رامي إمام) و«شماريخ» (تأليف وإخراج عمرو سلامة) على الصدارة، ويصبح من أفضل الأعمال فنياً في سباق يناير. في غضون ذلك، يحيط الترقب بإيرادات فيلم «مقسوم» (كتابة هيثم دبور، وإخراج كوثر يونس) الذي بدأ عرضه يوم الأربعاء الماضي، ويتمتّع أيضاً بمستوى فني جيد. لكن الكلمة الفصل ستُرجَأ حتى عرض «الرحلة 404» كونه من الأفلام التي سبقتها سمعة جيدة، إلا في حال تأثّر سلباً بما فعلته مقصّات الرقيب بين القاهرة والرياض.