لا تزال أزمة وقف البر والإحسان تتوالى فصولاً، والصراع يشتد حماوةً باستخدام الترغيب والترهيب لثني المعترضين الذين قدّموا إخباراً أمام المحكمة الشرعية قبل أشهر، ضد مجلس أمناء الجمعية، مطالبين بالتدقيق في عمل المجلس ومشكّكين في ذمّته المالية، وتمكّنوا من انتزاع قرار من المحكمة بتعيين حارس قضائي على الجمعية، قبل أن تبطل محكمة الاستئناف العليا في المحاكم الشرعيّة قرار القاضي الشرعي في بيروت الشيخ وائل شبارو.تداعيات هذه القضية والضغوط السياسية تكاد «تخلخل» أساسات المحكمة الشرعيّة السنيّة بعد شكاوى تقدّم بها معنيون إلى التفتيش القضائي تشي بأن «الهرطقات القانونيّة» التي طاولت هذا الملف ليست كلاماً في الهواء، وأن التدخّلات السياسيّة وخصوصاً للرئيس فؤاد السنيورة فعلت فعلها لترجيح كفّة مجلس الأُمناء ضد خصومه. ويؤكد مطّلعون أنّ اتصالات السنيورة لم تتوقّف مع القضاة المعنيين ومحامين يدعمون الناشطين لـ«لفلفة» القضيّة، خصوصاً أنّ هؤلاء يؤكدون أنّ التدقيق المالي في ملفات الوقف يُمكن أن يفتح ملفّات أُخرى مرتبطة بها.
وعلمت «الأخبار» أن القاضي الشيخ خلدون عريمط دخل على خط الوساطات، ورتّب لقاء مطوّلاً بين رئيس المحكمة الشرعيّة السنيّة (يرأس أيضاً محكمة الاستئناف) الشيخ محمّد عسّاف ورئيس جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية أحمد هاشميّة (داعم للناشطين الذين تقدّموا بالإخبار ضد مجلس الأمناء). وكان يُفترض بجلسة «تطييب الخواطر» أن تُعيد الأمور إلى نصابها، بعدما وعد عسّاف بمنع التدخّلات السياسية في عمل القضاء الشرعي على أن يتقدّم الناشطون بإخبارٍ جديد إلى الغرفة الناظرة في قضايا الوقف برئاسة القاضي الشيخ محمّد الجوزو (بعدما تم تبديل اختصاصات الغرف لكف يد شبارو). واللافت أن عسّاف، بحسب المصادر، أقرّ خلال الجلسة بأنّ «هناك ارتكابات يبدو أنّها حصلت من قبل مجلس الأمناء»!
عسّاف التقى هاشميّة وأقرّ بحدوث تجاوزات وانقلب على الاتفاق!


رغم ذلك، لم تفض الجلسة إلى أي نتيجة، إذ لم يتمكّن عسّاف من «غسل يديه» من المستشار القاضي عبد الرحمن الحلو الذي نصّ قرار الحكم واقتحم مكتب شبارو لسحب أوراق الملف من دون علم الأخير بعدما وجّه إليه سيلاً من التهديدات والشتائم. أكثر من ذلك، قلب عساف الطاولة، بعدما تقدّم أمس بشكوى إلى هيئة التفتيش القضائية ضد القاضي الشرعي في بيروت الشيخ عبد العزيز الشافعي على خلفيّة قيام الأخير بـ«الاستهزاء بمقامه» في منشورٍ على مجموعة قانونيّة على «واتساب» تحدّث فيه عن مغالطات شابت قرار محكمة الاستئناف العليا. علماً أنّ مطّلعين على الشكوى لفتوا إلى أن عسّاف حرّف الواقعة وبرّر عدم تسليمه الحكم محكمة الاستئناف إلى المحامي محمد خير الكردي بأنّ الأخير تقدّم بإخبار، علماً أن الدعوى رجائيّة. ويتردّد في أروقة المحكمة أن رئيس المحكمة الشرعيّة في صدد التحضير لشكوى ضد قاضٍ شرعي ثانٍ على خلفيّة قرار البر والإحسان، وعن إمكانية تقديم شكاوى إلى نقابة المحامين بحق أي محام يبدي رأيه في القرار.
كذلك علمت «الأخبار» أنّ شبارو تقدّم منذ أيّام بشكوى ضد أعضاء المحكمة العليا، أي عسّاف والحلو والقاضي غالب الأيوبي، على خلفيّة قيامهم ضمن الحكم بـ«التهجّم الشخصي عليه والتجريح والاستهزاء به». ويقول مطّلعون إنّ نافذين داخل المحكمة دخلوا على الخط لإقناع شبارو بالتراجع عن الشكوى مقابل طي صفحة الحكم الذي أصدره وتعيينه في موقع آخر.
في المقابل، ينوي الناشطون الذين تقدّموا بالإخبار فتح جميع «الجبهات» رداً على عمليات تطويقهم، إذ يفترض أن يتقدّموا بدعوى إلى محكمة التمييز وأكثر من إخبار إلى النيابة العامة المالية وإلى وزارة التربية على خلفية اتهامهم عضوين من مجلس أُمناء الوقف بعدم استحصالهما على شهادتيهما بالطرق اللازمة.



تعليقات قانونية للشافعي
نشر القاضي الشرعي الشيخ عبد العزيز الشافعي تعليقات قانونيّة «مع عدم النشر»، تضمّنت أكثر من 40 ملاحظة قانونيّة على القرار الصادر عن محكمة الاستئناف العليا «حرصاً على المحكمة الشرعية»، ومنها أن «الحكم تضمّن تحقيراً وشتائم واتهامات بحق قاضي البداية (شبارو) في مشهدية منفّرة غير معهودة في محاكمنا الشرعيّة». ولفت الشافعي إلى أنه «في الصفحة الأولى من الحكم جاء أن الجهة المطعون ضدّها هي محكمة بيروت الشرعية، وهذا من أغرب ما ورد في الحكم إذ كيف يكون القاضي هو الحكم»، مشدّداً على أنّ «الحكم لم يشر إلى المواد القانونية التي أسند إليها النائب العام حقه بتقديم الطعن بهذا الشكل»، مشيراً إلى أن «لا صحة لما زعمه حكم المحكمة العليا من أن القاضي قام بفصل الملف نهائياً، فهو لم يتهم مجلس تولية الوقف ولم يُحاسب أيّاً من أفراد المجلس، بل غاية ما تضمّنه القرار الرجائي هو تعيين ناظر (مراقب) للوقف، مما يدخل في سلطة القاضي الرقابيّة على الوقف. وتعليقاً على ما ورد في القرار بأنّه «من غير الجائز للقاضي البدائي إصدار حجّة شرعيّة بناءً على إخبار»، قال الشافعي: «هذا الكلام مرسل لا يقوم عليه دليل وليس له أي مستند قانوني، بل يخالفه منطوق المادة 382 من قانون تنظيم القضاء الشرعي التي نصّت على جواز تحرير التركة بوجود قاصر بين الورثة بناءً على إخبار، ومفهوم المادة 594 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة».