يأتي أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي الذي تنظّمه حركة المقاطعة العالمية في شهر آذار من كل عام، بعد أسابيع على صدور أوامر محكمة العدل الدولية لإسرائيل باتخاذ تدابير مؤقتة، وبعد أيام قليلة من استماع المحكمة لبيانات الدول الشفهية حول الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة الفلسطينية وعواقبها القانونية. شعار الفعالية هذا العام ليس كسابقه. فغزة لا تزال تحت الحصار والقتل المتعمّد والتجويع الممنهج، وتحت تهديد التهجير القسري. والجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني خلال خمسة أشهر وثّقتها المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية وعدسات المصوّرين المستهدفين بمسيّرات قاتلة تلاحقهم لتقتل شهود العيان على مذبحة القرن الواحد والعشرين. لهذه الأسباب، أعلنت حركة المقاطعة أن هذا العام سيكون «أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي» على امتداد شهر آذار، تحت شعار «أوقفوا الإبادة، وأنهوا الأبارتيد».


من هي حركة المقاطعة؟
حركة المقاطعة العالمية من أجل الحرية والعدالة والمساواة للشعب الفلسطيني هي حركة شاملة وسلمية لحقوق الإنسان، ترفض جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وتقود الحركة اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة، وهي أكبر ائتلاف للأحزاب السياسية الفلسطينية والنقابات العمالية والمهنية وشبكات اللاجئين واللجان والمنظمات الشعبية. وقد أطلقت العديد من حملات التضامن العالمية لدعم القضية الفلسطينية، وتضمّ: حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية والاقتصادية، حملة التضامن العالمي النقابي والثقافي والطلابي، حملة الحظر العسكري، حملة «أوقفوا مساعدة أكسا للفصل العنصري الإسرائيلي» (وهي الحملة ضد شركة التأمين الفرنسية المتعددة الجنسيات بسبب استثماراتها في البنوك الإسرائيلية المتواطئة في مشروع الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني)، حملة مقاطعة شركة «إتش بي» الإلكترونية، حملة منع إسرائيل من المشاركات الرياضية الدولية، وحملة أسبوع الأبارتيد الإسرائيلي في شهر مارس.
بدأت أنشطة أسبوع الأبارتيد في تورنتو في كندا في آذار/ مارس عام 2005، والذي نظّمه تجمّع الطلاب العرب في جامعة تورنتو. وامتدّت الفعاليات إلى مدن أخرى عام 2006. وبحلول عام 2013، أقيمت الفعاليات في أكثر من 200 مدينة حول العالم، وشملت إلقاء محاضرات وندوات وإطلاق حملات تضامنية تهدف إلى تحقيق أمرين: الأول رفع مستوى الوعي حول نظام الفصل العنصري الإسرائيلي المستمر والاستعمار الاستيطاني في فلسطين المحتلة، والثاني بناء الدعم اللازم لحركة المقاطعة التي يقودها الفلسطينيون في الخارج على نطاق واسع وتشكيل قوة ضغط عالمية لإنهاء التعامل مع الكيان الصهيوني وكشف التواطؤ معه.

لماذا شهر آذار؟
يعود اختيار آذار لمناهضة الأبارتيد الإسرائيلي إلى حركة المقاطعة التي انطلقت في ستينيات القرن الماضي ضد نظام بريتوريا العنصري في جنوب إفريقيا آنذاك. فقد تمكّنت حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، التي بدأت في حزيران/ يونيو 1959، من تنظيم حملة لمقاطعة بضائع جنوب إفريقيا في بريطانيا. وبلغت هذه الحملة ذروتها في آذار/ مارس عام 1960 عندما رفض مئات الآلاف شراء بضائع جنوب إفريقيا. ونجحت حركة مقاطعة جنوب إفريقيا العنصرية في حشد تحالفات عالمية للضغط على الحكومات الغربية، وتحديداً بريطانيا والولايات المتحدة، لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تحظر التعامل مع نظام بريتوريا العنصري، وشكّلت أداة فاعلة في عزل هذا النظام عن العالم بمقاطعته عسكرياً وثقافياً وعلمياً واقتصادياً .(راجع «القوس»، جرائم الأبارتيد الصهيوني، 8 كانون الأول 2023).

حملات التضامن العالمية
سجلت حركة المقاطعة العالمية «الفلسطينية» نجاحاً في حملاتها ضد الكيان الصهيوني. فعلى سبيل المثال، بعد نداء أطلقه 400 أكاديمي من كل جامعات جنوب إفريقيا، صوّت مجلس جامعة جوهانسبورغ لمصلحة إنهاء علاقاتها مع جامعة بن غوريون العبرية عام 2011. كما انضمّ إلى حملة المقاطعة الأكاديمية عدد من الجمعيات الثقافية الأوروبية والأميركية، مثل اتحاد المعلمين في إيرلندا وجمعية الأدب الإفريقي وجمعية الدراسات الأميركية واتحاد الطلاب الناطقين باللغة الفرنسية في بلجيكا واتحاد الطلاب في الدراسات العليا في جامعتَي نيويورك وماساتشوستيس الأميركيتين وغيرها.
يعود اختيار آذار لمناهضة الأبارتيد الإسرائيلي إلى حركة المقاطعة التي انطلقت في الستينيات ضد النظام العنصري في جنوب إفريقيا

وفي 16 شباط/ فبراير 2024، أعلنت أربع جامعات نرويجية تعليق علاقاتها مع الجامعات الإسرائيلية المتواطئة بشأن الإبادة الجماعية في غزة. وأنهت شركة OsloMet علاقاتها مع جامعة حيفا، وتعهدت بعدم الدخول في أيّ اتفاقيات جديدة مع الجامعات الإسرائيلية المتواطئة، وستعمل على إنهاء عقود الشراء مع المورّدين المرتبطين بالجيش الإسرائيلي أو المستوطنات غير القانونية. وأنهت جامعة جنوب شرق النرويج علاقاتها مع جامعة حيفا وكلية هداسا الأكاديمية. كما أنهت جامعة بيرغن اتفاقيات تعاونها مع أكاديمية بتسلئيل للفنون والتصميم بعدما أنشأت الأخيرة ورشة عمل في الحرم الجامعي لتصميم وخياطة الزيّ الرسمي والعتاد للجيش الإسرائيلي. كما أنهت مدرسة بيرغن للهندسة المعمارية اتفاقيات تعاون مع أكاديمية بتسلئيل للفنون والتصميم بسبب عملها مع الجيش الإسرائيلي. حملة المقاطعة النرويجية لقطع العلاقات مع الجامعات الإسرائيلية المتواطئة كانت بجهود الطلاب والأكاديميين في النرويج، وشارك فيها أكثر من 1200 طالب وطالبة من الجامعات النرويجية عملوا على رفع مستوى الوعي وإجبار جامعاتهم على التصرف وفقاً لالتزاماتها الأخلاقية. (نقلاً عن موقع حركة المقاطعة)

حملة ضد التطبيع
نظّمت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، في السنوات الأخيرة، لقاءات مجتمعية وحوارات وورشات عمل حول معايير مناهضة التطبيع، ونتجت من هذه النقاشات التي استمرّت ثلاث سنوات وثيقة جديدة لتفسير تعريف التطبيع في قطاعات مختلفة، مثل المستوى الرسمي والنقابي والسياحي والرياضي وغيره، إضافة إلى صياغة معايير تطبيع جديدة تشمل معيار محاسبة التطبيع والمعايير الإعلامية. وأقرّت الهيئة العامة للجنة الوطنية للمقاطعة الوثيقة الجديدة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2020. وقد عرّفت الوثيقة المعتمدة التطبيع على أنه «المشاركة في أيّ مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، يجمع (على نفس «المنصة») بين فلسطينيين (و/ أو عرب) وإسرائيليين (أفراداً كانوا أو مؤسسات) ولا يستوفي الشرْطَين التاليَين:
1. أن يعترف الطرف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي،
2. وأن يشكّل النشاط شكلاً من أشكال النضال المشترك (co-resistance) ضد نظام الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والأبارتيد الإسرائيلي».