صراع القارات في المحافل الكروية يقتصر بغالبيته على المنافسات بين المنتخبات الأوروبية من جهة، ونظيرتها في أميركا الجنوبية من جهةٍ أخرى. يظهر ذلك من خلال تناوب القارتين على زعامة بطولة كأس العالم. تاريخياً، فازت منتخبات «كونميبول» بعشر نسخ «مونديال» من أصل 22، توزّعت على ثلاث دول هي البرازيل (5 مرات) الأرجنتين (3) والأوروغواي (2)، أما باقي الألقاب كانت من نصيب المنتخبات الأوروبية كالتالي: ألمانيا (4 مرات)، إيطاليا (4 مرات)، فرنسا (2)، إسبانيا وإنكلترا (مرة واحدة لكل منتخب).وخلال المسار الطويل للبطولة التي أبصرت النور عام 1930، تأرجحت كفة السيطرة بين الأوروبيين واللاتينيين حتى بداية الألفية الجديدة. فازت بعدها البرازيل في نسخة 2002، ثم هيمنت منتخبات القارة العجوز على كأس العالم بدءاً بمنتخب إيطاليا 2006، ثم إسبانيا في 2010، فالمنتخب الألماني عام 2014، وأخيراً فرنسا في عام 2018.
طغت التكتيكات الأوروبية حينها على سحر منتخبات أميركا الجنوبية وتغلغل الشكّ في أوساط اللاتينيين، إلى أن أوقفت الأرجنتين مسلسل السقوط الحر في مونديال قطر 2022. ظهرت معالم صحوة منتخبات جنوب أميركا حينها قبل انطلاق البطولة، ممثلةً بجاهزية الأرجنتين والبرازيل تحديداً مقابل تراجع مستوى المنتخبات الأوروبية إثر مرورها بمرحلة إعادة الهيكلة. ومع خروج البرازيل من دور ربع النهائي أمام كرواتيا في مفاجأة كبرى حينها، ظلّت الآمال معلقة على الأرجنتين التي وصلت إلى الدور النهائي وتوّجت بكأس العالم على حساب فرنسا، كأوّل فوز لمنتخب من أميركا الجنوبية بالمونديال منذ 20 عاماً.
انسحب تفوّق منتخبات «كونميبول» على صعيد الفئات العمرية أيضاً


لم تكتفي منتخبات كونميبول بذلك بل انسحب التفوّق على صعيد الفئات العمرية أيضاً. تُوّج منتخب أوروغواي ببطولة كأس العالم للشباب تحت 20 عاماً بعد الفوز على إيطاليا في المباراة النهائية بهدف من دون رد، ما جعله البطل الـ13 في تاريخ المسابقة. فوزٌ رفع رصيد ممثلي قارة أميركا الجنوبية «الشباب» إلى 12 لقباً (يعد منتخب الأرجنتين أكثر المتوجين برصيد 6 ألقاب)، مقابل 10 ألقاب لقارة أوروبا، ولقب أفريقي وحيد.

مدرستان مختلفتان
التناوب على التتويج في أفضل البطولات القارية يرجع إلى اختلاف ثقافة اللعب بالدرجة الأولى. في أميركا الجنوبية، يتم تعلم كرة القدم غالباً في الشوارع، أو كما يوصف، يولد الطفل والكرة بين أقدامه. بالعين المجردة، يبدو أسلوب الفرق اللاتينية أكثر إمتاعاً من الناحية الجمالية للمشاهدة، خاصةً وأن المدربين عادةً ما يكونوا مرنين للغاية مع فرقهم ويمنحون اللاعبين فرصة لإظهار جانبهم الإبداعي. أمرٌ يتنافى مع ثقافة كرة القدم الأوروبية، التي تقدّم عادةً فرقاً أكثر تنظيماً وتتمتع بكفاءة أعلى.
نتيجة ذلك، «يُبرمِج» النظام المتّبع لاعبين متعودين على اللعب بطريقة معينة في أوروبا ما يسهّل إعادة الهيكلة تباعاً، بينما تلجأ المنتخبات اللاتينيّة إلى مبدأ «الترقيع» بالمواهب المتوفرة.
شهد العامان المنصرمان تفوّق فرق أميركا الجنوبية، بانتظار عودة الصراع في المستقبل القريب خاصةً مع إعادة الهيكلة التي تعرفها كبرى الفرق الأوروبية، تحديداً ألمانيا وإسبانيا. واللقاء المقبل سيكون في كأس العالم 2026 في أميركا وكندا والمكسيك.