تقرير الاستخبارات ليس الوحيد الذي يلحظ هذه الفكرة، فقد صرح الرئيس الكوري الشمالي، بعد قمة سنغافورة في حزيران/يونيو الماضي، بأن بلاده لن تتخلى عن برنامجها من جانب واحد إذا لم توقف الولايات المتحدة تهديدها النووي. لكن ترامب، كما عادته، يعتقد أن «الكيمياء» ستصنع التاريخ، ومن هنا كانت استراتيجيته التي دعمها في كلمته الأخيرة أمام الكونغرس، حينما قال إنه «في إطار دبلوماسيّتنا الجريئة، نواصل جهودنا التاريخية من أجل السلام في شبه الجزيرة الكورية». ولتعزيز فكرته، ردّ على منتقديه بتذكيرهم بأن خطواته أدت إلى إعادة رُفات الجنود الأميركيين، وأوقفت التجارب النووية، فيما لم يحصل أي إطلاق للصواريخ لـ15 شهراً. وأثنى ترامب على أسلوبه ومقاربته الشخصية لهذه المسألة الحساسة، لافتاً إلى أنه «نجح في كسب ثقة كيم»، وواعداً إيّاه بـ«الاستثمارات الكبيرة وتحويل البلد المعزول إلى قوة اقتصادية كبرى إذا تخلى عن النووي».
هدف كيم تخفيف العقوبات مع اتّباع سياسة شراء الوقت قبل «التنازل الكبير»
من هذه النقطة، جاء اختيار سنغافورة مكاناً للقمة الأولى من أجل تقديمها كنموذج اقتصادي ناجح، فيما عُدّ اختيار فيتنام للقمة الثانية رسالة مهمة لأكثر من 25 مليون كوري شمالي، وهي أن «فيتنام تشبه دولتكم، إنها نظام شيوعي مُغلق، لكنها اتبعت سياسات انفتاح اقتصادي، خلال السنوات الأخيرة، جعلت منها واحدة من أسرع دول العالم نموّاً». ويعوّل الرئيس الأميركي على إيصال هذه الرسالة، على أساس أن «عدو القرن الماضي أصبح صديقاً، إذ باتت واشنطن أكبر الشركاء التجاريين لهانوي بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها». أما الرمزية الأخرى، فتكمن في اختيار مدينة دانانغ الفيتنامية للقاء كيم ــ ترامب، وهي قد شهدت أول إنزال للبحرية الأميركية في جنوبها ومينائها، ومنها كان انطلاق الحرب على فيتنام.
في مقابل استعداد ترامب لإنهاء الحرب، كما يقول موفد الولايات المتحدة الخاص إلى كوريا الشمالية، ستيفن بيغون، يبرز هدف كيم الأساسي: تخفيف العقوبات، معوّلاً على شراء الوقت الكافي قبل الوصول إلى إمكانية تخليه عن ترسانته النووية التي قضى نظامه عقوداً في بنائها. لكن الدوّامة التي تظهر هنا، ولن تسهّل المهمة أمام ترامب أو حتى كيم، هي السياسة الأميركية التي تقضي بعدم رفع العقوبات قبل نزع الأسلحة. وبما أن طرفاً ثالثاً يدخل في هذه المعادلة، وهو الكونغرس، سيكون دون رفع العقوبات عوائق كثيرة، وسط الخلاف بين البيت الأبيض والمؤسسة التشريعية. لذلك، يرى عدد من المحلّلين أن ترامب قد يتمكّن، على المدى القريب، من تخفيف بعض القيود على المساعدات الإنسانية، على أن تلي ذلك خطوات صغيرة، منها تبادل مكاتب تنسيق مع بيونغ يانغ، في خطوة تسبق إعادة العلاقات.
وبانتظار ما ستتكشّف عنه القمة الجديدة، يرجّح البعض أن يؤدي مزاج الرجلين دوراً مهمّاً، الأمر الذي يعتمد عليه ترامب شخصياً، على اعتبار أن الكيمياء التي تربطه بكيم قد تصنع تاريخاً جديداً في شرق آسيا!